ويأتي القسم الثّالث والقسم الرّابع: (والشفع والوتر).
للمفسّرين آراء كثيرة فيما أُريد بـ "الشفع والوتر" حتى ذكر بعضهم عشرين قولاً (4)، فيما ذهب آخرون لذكر (36) قولاً في ذلك (5).
وأهم تلك الأقوال، ما يلي:
1 - مراد الآية العددان الزوجي والفردي، فيكون القسم بجميع الأعداد، تلك الأعداد التي تدور عليها وبها كلّ المحاسبات والأنظمة والمغطية لجميع عالم الوجود، وكأنّه سبحانه وتعالى يقول: قسماً بالنظم والحساب.
وحقيقة الحساب والنظم في عالم الوجود، تمثل الاُسس الواقعية التي تقوم عليها الحياة الإنسانية.
2 - المراد بـ "الشفع" المخلوقات، لوجود قرين لكلّ منها، والمراد بـ "الوتر" الباري جلّ شأنه، لعدم وجود شبيه له ولانظير.
إضافة إلى أنّ الممكنات تتركب من (ماهية) و (وجود)، وهو ما يعبّر عنه بالفلسفة بـ (الزوج التركيبي)، أمّا الوجود المطلق الخالي من الماهية فهو "اللّه" حده، (وأشارت بعض الرّوايات المنقولة عن المعصومين (ع) إلى ذلك) (6).
3 - المراد بـ "الشفع والوتر" جميع المخلوقات، لأنّها من جهة بعضها زوج والبعض الآخر فرد.
4 - المراد بـ "الشفع والوتر"الصلاة، لأنّ بعضها زوجي والبعض الآخر فردي، (وورد هذا المعنى في بعض روايات أهل البيت (ع) أيضاً) (7)... أو هما ركعتي الشفع وركعة الوتر في آخر صلاة الليل.
5 - المراد بـ "الشفع" يوم التروية (الثامن من شهر ذي الحجة، حيث يستعد الحجاج للوقوف على جبل عرفات)، و"الوتر" يوم عرفة (حيث يكون حجاج بيت للّه الحرام في عرفات... أو "الشفع" هو يوم عيد الأضحى (العاشر من ذي الحجّة، و"الوتر" هو يوم عرفة.
ووردت الإشارة إلى هذا المعنى في روايات أهل البيت (ع) أيضاً (8) والمهم...إنّ الألف واللام في "الشفع والوتر" إن كانا للتعميم، فكلّ المعاني تجتمع فيهما، وكلّ معنى سيكون مصداق من مصاديق "الشفع" و"الوتر"، ولا داعي والحال هذه إلى حصر التّفسير بإحدى المعاني المذكورة، بل كلّ منها تطبيق على مصداق بارز.
أمّا إذا كانا للتعريف، فستكون إشارتهما إلى زوج وفرد خاصين، وفي هذه الحال سيكون تفسيران من التّفاسير المذكورة أكثر من غيرهما مناسبة وقرباً مع مراد الآية، وهما:
الأوّل: المراد بهما يومي العيد وعرفة، وهذا ما يناسب ذكر الليالي العشر الاُولى من شهر ذي الحجّة، وفيهما تؤدى أهم فقرات مناسك الحج.
الثّاني: أنّهما يشيران إلى "الصلاة"، بقرينة ذكر "الفجر"، وهو وقت السحر ووقت الدعاء والتضرع إلى اللّه عزّوجلّ.
وقد ورد هذان التّفسيران في روايات عن أئمّة أهل البيت المعصومين (ع).
﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ أي الأشياء كلها زوجها ووترها أو نفس العدد أو الخلق لقوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين والخالق لأنه فرد أو شفع الصلاة وترها أو يوم النحر وعرفة روي ذلك عن النبي والأئمة (عليهم السلام).