أرض مكّة مشرّفة ومعظمة، لأنّ فيها أوّل مركز للتوحيد ولعبادة اللّه سبحانه، وكان هذا المركز مطاف أنبياء اللّه العظام... ولذلك أقسم اللّه بها... ولكنّ السّورة تشير إلى عامل آخر أضفى على هذه المدينة شرفاً وكرامة: (وأنت حِلّ بهذا البلد)... فالبلد استحق أن يقسم به اللّه لوجودك أنت أيّها النّبي الكريم فيه!
فلا يتصورنَّ كفار مكّة أنّ القرآن يقسم ببلدهم تكريماً لهم ولأوثانهم، لا فهذا البلد مكرم لما يحمله من تاريخ الرسالات السماوية... ولما يحتضنه من رسالة خاتمة، ونبي خاتم.
وفي الآية تفسير آخر يعتبر (لا) في الآية السابقة نافية ويكون المعنى: "لا اُقسم بهذا البلد المقدس حال كون حرمته قد هتكت والأنفس والأموال والأعراض فيه قد اُحلّت واُبيحت".
ويكون ذلك - على هذا التّفسير - توبيخاً وتقريعاً لكفار قريش وهم الذين يعتبرون أنفسهم خَدَمَة الحرم وسدنته، ويكنّون له احتراماً يفوق كلّ احترام حتى أن الرجل منهم يرى قاتل أبيه فيه فلا يتعرّض له... بل حتى قيل إنّ الرجل يحمل معه شيئاً من لحاء أشجار مكّة فلا يتعرّض له أحد.
فلماذا إذن لم تراعوا هذه الآداب والتقاليد في حقّ النّبي الأكرم (ص) ؟!
لماذا تماديتم في إيذائه وإيذاء صحابته، حتى سولت لكم أنفسكم استباحة دمه؟!
وقد ورد هذا التّفسير في حديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) أيضاً (2).
﴿وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ حال به.