ثمّ تواصل الآية التالية بيان طبيعة هذه العقبة، وسبل اجتيازها فتقول: (ثمّ كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة).
فالقادرون على اجتياز هذه العقبة متحلون بالإيمان ومتواصون بالصبر والإستقامة على الطريق، ومتواصون بالرحمة والعطف.
وبهذا السياق القرآني لبيان طبيعة العقبة نفهم أن القادرين على اجتيازها هم المتحلون بالإيمان والخلق الكريم كالتواصي بالصبر والرحمة، وذوو أعمال البّر والإحسان كتحرير العبيد وإطعام الأيتام والمساكين، إنّهم بعبارة اُولئك الذين يلجون ميادين الإيمان والأخلاق والعمل ويخرجون منها ظافرين منتصرين.
العطف بالحرف "ثمّ" لا يعني دائماً التأخير الزمني، أي لا يعني أن عملية الإطعام والإنفاق يجب أن تتقدم على الإيمان، بل إن هذا الحرف في مثل هذه الموارد - كما صرّح بذلك جمع من المفسّرين - لبيان علو المرتبة، إذ من المؤكّد أنّ رتبة الإيمان والتوصية بالصبر والمرحلة أسمى وأعلى من مساعدة المحتاجين، بل الأعمال الصالحة تنبثق من ذلك الإيمان وتلك الأخلاق، وكلّ ما يفعله الإنسان تجد جذوره في معتقداته وأخلاقياته.
واحتمل بعضهم أن "ثمّ" تفيد هنا التأخير الزمني، لأن أعمال الخير قد تكون منطلقاً للتوجه نحو الإيمان، وهي بخاصة ذات تأثير في ترسيخ دعائم الأخلاق، إذ أن أخلاق الإنسان تبدأ بشكل "فعل" ثمّ تتحول إلى "حالة" ثمّ تتحول إلى "عادة" ثمّ تصبح "ملكة".
والتعبير بكلمة "تواصوا" وتعني تبادل التوصية، لها دلالة اجتماعية هامّة، هي إن عملية التواصي بالسير على طريق الحق وبالإستقامة على طاعة اللّه ومكافحة جموح الأهوآء النفسية، وبالحبّ والرحمة ليست عملية فردية يل يجب أن يتخذ طابعاً اجتماعياً عامّاً في كلّ المجتمع الإيماني، وكلّ الأفراد مسؤولون أن يوصي بعضهم الآخر بحفظ هذه الاُصول.
وعن هذا الطريق أيضاً تتعمق عرى التلاحم والإجتماعي.
وقال بعضهم إنّ "الصبر" في الآية إشارة إلى توطين النفس على طاعة اللّه والإهتمام بأوامره، و"المرحمة" إشارة إلى علاقة الودّ مع النّاس، ونعلم أن أساس الدين هو تنظيم هذه الرابطة بين العبد وربّه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان.
وفي خاتمة هذه الأوصاف تذكر السّورة مكانة المتحلين بها فتقول: (اُولئك أصحاب الميمنة).
فصحيفة أعمالهم تسلّم إليهم، في محضر اللّه سبحانه وتعالى، بيدهم اليمنى.
ويحتمل أن تكون "الميمنة" من "اليُمن" والبركة، أي إنّ أصحاب هذه الصفات ذوو بركة لأنفسهم ولمجتمعهم.
﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ عطف على اقتحم وثم للتراخي الذكري أو للبعد في الرتبة لتقدم الإيمان على سائر الطاعات ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ على الطاعة ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ الرحمة على الخلق.