الآية التالية تقول: (فكذبوه فعقروها)، و"العقر" - على وزن كفر - معناه الأساس والأصل والجذر، و"عقر الناقة" قطع أساسها وإهلاكها.
وقيل: "العقر" بتر أسافل أطراف الناقة، ممّا يؤدي إلى سقوطها وهلاكها.
ويلاحظ أنّ قاتل الناقة شخص واحد أشارت إليه الآية بأشقاها، بينما نسب العقر إلى كلّ طغاة قوم ثمود: "فعقروها"، وهذا يعني أنّ كلّ هؤلاء القوم كانوا مشاركين في الجريمة، وذلك أوّلاً: لأنّ مثل هذه المؤامرات يخطط لها مجموعة ثمّ ينفذها فرد واحد أو أفراد.
وثانياً: لأنّ هذه الجريمة تمّت برضا القوم فهم شركاء في الجريمة بهذا الرضا، وعن أمير المؤمنين علي (ع) قال: "إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم اللّه بالعذاب لما عموه بالرضى، فقال سبحانه: (فعقروها فاصبحوا نادمين) " (5)
وعقب هذا التكذيب أنزل اللّه عليهم العقاب فلم يترك لهم أثراً: (فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسواها).
"دمدم" تعني أهلك، وتأتي أحياناً بمعنى عذّب وعاقب وأحياناً بمعنى سحق واستأصل، وبمعنى سخط أو أحاط (6).
و"سوّاها" من التسوية وهي تسوية الأبنية بالأرض نتيجة صيحة عظيمة وصاعقة وزلزلة، أو بمعنى إنهاء حالة هؤلاء القوم، أو تسويتهم جميعاً في العقاب والعذاب، حتى لم يسلم أحد منهم.
ومن الممكن أيضاً الجمع بين هذه المعاني.
الضمير في "سوّاها" يعود إلى قبيلة ثمود، وقد يعود إلى مدنهم وقراهم التي سوّاها ربّ العالمين مع الارض.
وقيل إنّ الضمير يعود إلى مصدر "دمدم" أي إنّ اللّه سوّى غضبه وسخطه على القوم ليشملهم جميعاً على حدٍّ سواء، والتّفسير الأوّل أنسب.
ومن الآية نستنتج بوضوح أنّ عقاب هؤلاء القوم كان نتيجة لذنوبهم وكان متناسباً مع تلك الذنوب، وهذا عين الحكمة والعدالة.
في تاريخ الاُمم نرى غالباً بروز حالة الندم فيهم حين يرون آثار العذاب ولجوءهم إلى التوبة، أمّا قوم ثمود، فالغريب أنّهم حين رأوا علامات العذاب طفقوا يبحثون عن نبيّهم صالح ليقتلوه (7).
وهذا دليل على ارتكاسهم في العصيان والطغيان أمام اللّه ورسوله.
لكن اللّه نجّا صالحاً وأهلك قومه شرّ إهلاك.
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ بما أوعدهم به من نزول العذاب إن فعلوه ﴿فَعَقَرُوهَا﴾ أسند إليهم فعل بعضهم لرضاهم به ﴿فَدَمْدَمَ﴾ أطبق ﴿عَلَيْهِمْ رَبُّهُم﴾ العذاب ﴿بِذَنبِهِمْ﴾ بسببه ﴿فََسَوَّاهَا﴾ أي الدمدمة عليهم أي عمهم بها فلم يفلت منهم أحد أو ثمود بالإهلاك.