لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي خاتمة السّورة ذكر بعبارة موجزة لما ينتظر هذه المجموعة من أجر عظيم تقول الآية: (ولسوف يرضى). نعم، ولسوف يرضى، فهو قد عمل على كسب رضا اللّه، واللّه سبحانه سوف يرضيه، إرضاء مطلقاً غير مشروط إرضاء واسعاً غير محدود... إرضاء عميق المعنى يستوعب كلّ النعم...إرضاء لا يمكننا اليوم حتى تصوّره... وأي نعمة أكبر من هذا الرضى! نعم، اللّه أعلى، وجزاؤه أعلى، ولا أعلى من رضا العبد رضا مطلقاً. احتمل بعض المفسّرين أن يكون الضمير في "يرضى" عائداً إلى اللّه سبحانه أي إن ّ اللّه سوف يرضى عن هذه المجموعة، وهذا الرضا أيضاً نعمة ما بعدها نعمة. نعمة رضا اللّه عن هذا العبد بشكل مطلق غير مشروط، ومن المؤكّد أنّ هذا الرضا يتبعه رضا العبد الأتقى. فالآثنان متلازمان، وقد جاء في الآية (رقم 8) من سورة البينة قوله سبحانه: (رضي اللّه عنهم ورضوا عنه) وقوله تعالى في الآية (28) من سورة الفجر: (راضية مرضية). لكنّ التّفسير الأوّل أنسب. بحثان 1 - حول سبب نزول سورة الليل يقول الفخر الرازي: اجمع المفسّرون منّا على أنّ المراد منه (أي من قوله تعالى: (وسيجنّبها الأتقى) أبو بكر (رض)، واعلم أنّ الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرّواية، ويقولون أنّها نزلت في حقّ علي بن أبي طالب (ع). ثمّ يعرب الرازي عن وجهة نظره في هذا المجال ويقول: وإنّما قلنا إنّه لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنّه قال في صفة هذا الأتقى (وما لأحد عنده من نعمة تجزى)، وهذا الوصف لا يصدق على علي بن أبي طالب لأنّه كان في تربية النّبي (ص)، لأنّه أخذه من أبيه، وكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه، وكان الرّسول منعماً عليه نعمة يجب جزاؤها، أمّا أبو بكر فلم يكن للنّبي عليه الصلاة والسلام عليه نعمة دنيوية، بل أبو بكر كان ينفق على الرّسول عليه السّلام (1). نحن لا نتطرق عادة في هذا التّفسير لمثل هذه المسائل. لكن مثل هذه المحاولات الرامية إلى إثبات الأحكام الذهنية المسبقة بالإستناد إلى آيات قرآنية يبلغ بها الأمر أنّ تنسب إلى رسول اللّه (ص) ما لا يليق بمقامه الشامخ (2)، ممّا يستدعينا أن نتوقف عندها قليلاً. أوّلاً: ما يقوله الفخر الرازي بشأن إجماع أهل السنة على نزول السّورة في أبي بكر منقوض بما أورده كثير من مفسّري أهل السنة منهم القرطبي في تفسيره عن ابن عباس بشأن نزول كلّ سورة "الليل" في "أبي الدحداح" (3). والقرطبي حين يصل إلى تفسير الآية: (وسيجنبها الأتقى) يعيد القول أنّ المقصود به أبو الدحداح، وهذا المفسّر يورد ما ذكره أكثر المفسّرين بشأن نزول السّورة في أبي بكر، غير أنّه لا يقبل هذا الرأي. ثانياً: ما قيل بشأن اتفاق الشيعة على نزول الآية في علي (ع) غير صحيح أيضاً، إذ أورد كثير من مفسّري الشيعة قصّة أبي الدحداح على أنّها سبب نزول السّورة. نعم، لقد روي عن الإمام الصادق (ع) بأن "الاتقى" شيعة علي وأتباعه، و (الذي يوتى ماله يتزكى) هو أمير المؤمنين علي (ع)، لكن الظاهر أنّ هذه الرّوايات لا تتحدث عن سبب النزول، بل هي من قبيل ذكر المصاديق الواضحة والبارزة. ثالثاً: "الأتقى" في السّورة ليست هنا بمعنى أتقى النّاس، بل بمعنى المتقي، والشاهد على ذلك كلمة "الأشقى" التي هي لا تعني أشقى النّاس، بل هم الكفار الذين يبخلون بأموالهم فلا ينفقونها، أضف إلى ذلك أنّ الآية نزلت في حياة رسول اللّه (ص)، أيصح أن يكون أبو بكر مقدّماً في التقوى على النّبي نفسه؟! لماذا نلجأ إلى إثبات أحكامنا الذهنية المسبقة إلى كل وسيلة حتى الحط من شخصية رسول اللّه (ص). إنّه قيل أنّ للنّبي حساباً آخر، نقول: لماذا لم يكن للنّبي حساب آخر في الآية: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) ؟ ففي هذه الآية يرفض الفخر الرازي أن تكون في علي، لأنّه مشمول بنعم النّبي الدنيوية. رابعاً: أي إنسان ليست لأحد نعمة عليه في حياته، ولم يقدم له أحد هدية أو يدعوه لضيافة؟! هل كان أبو بكر كذلك في حياته؟ ألم يستجب لضيافة أو يقبل هدية أو خدمة دنيوية طوال حياته؟! هل هذا معقول؟ المقصود من الآية الكريمة: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) ليس إذن أن يكون هذا الاتقى غير مشمول بأية نعمة دنيوية من أحد. بل المقصود إن انفاقه ليس من أجل حق نعمة أغدقت عليه، أي أنّه حين ينفق، فإنّما ينفق في سبيل اللّه لا في سبيل خدمة اُسديت إليه ويريد أن يجزي عليها. خامساً: آيات سورة الليل تنبيء أنّ السّورة نزلت في واقعة ذات قطبين: "الأتقى" و"الأشقى"، وإنّ اعتبرنا قصة أبي الدحداح سبباً للنزول، فالقطبان يتضحان، وإن قلنا إنّ الأتقى أبو بكر فيبقى السؤال عمن هو "الأشقى". الشيعة لا يصرون على نزول الآية في علي (ع) ففي شأنه نزل كثير من القرآن، ولكن إن كان نزولها في علي، يتبيّن من جهة آُخرى من هو "الأشقى"، إذ ورد في تفسير الآية (12) من سورة الشمس: (إذ انبعث أشقاها) روايات كثيرة بطرق أهل السنة أن المقصود من الأشقى قاتل علي بن أبي طالب (ع). (وهذه الرّوايات جمعها - كما ذكرنا - الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل). بالاختصار، رأي الفخر الرازي في هذه الآية ضعيف غاية الضعف ومليء بالإشتباه، ولذلك رفضه الآلوسي في روح المعاني وقال: "... واستدل بذلك الإمام على أنّه (أبو بكر) أفضل الاُمّة وذكر أنّ في الآيات ما يأبى قول الشيعة أنّها في علي وأطال الكلام في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل وقال" (4). 2 - فضيلة الإنفاق في سبيل اللّه الإنفاق في سبيل اللّه، ومساعدة المحرومين عن إخلاص نيّة وبدون منّة ممّا أكّد عليه القرآن الكريم في مواضع عديدة واعتبره من علامات الإيمان. والرّوايات تؤكّد كثيراً على هذا المفهوم، وتعدّ الإنفاق المنطلق من دافع رضا اللّه والبعيد عن كل رياء ومنّ وأذى من أفضل الأعمال. وفي نهاية المطاف نورد بعض هذه الرّوايات: 1 - عن رسول اللّه (ص) قال: "من الإيمان حسن الخُلق، وإطعام الطعام: وإراقة الدّماء" (5). (النحر في سبيل اللّه). 2 - عن الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) قال: "إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه إدخال السرور على المؤمن، شبعة مسلم أو قضاء دينه" (6) 3 - عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) قال: "ما أرى شيئاً يعدل زيارة المؤمن إلاّ إطعامه، وحقّ على اللّه أن يطعم من أطعم مؤمناً من طعام الجنّة" (7). 4 - وسأل رجل رسول اللّه (ص) قال: أي الأعمال أفضل؟ قال: "اطعام الطعام واطياب الكلام" (8). 5 - ومسك الختام حديث عن رسول اللّه (ص) قال: "من عال أهل بيت من المسلمين يومهم وليلتهم غفر اللّه ذنوبه" (9). اللّهمّ! وفقنا لأن نكون من العاملين على هذا الطريق. اللّهمّ! اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم. اللّهمّ! إنا نتضرع إليك أن تشملنا بنعمتك ورحمتك حتى ننعم بالرضى وتكون عنّا راضياً. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة اللّيل ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ بما يعطيه من الثواب.