وتأتي البشرى للنبي الكريم لتقول له:
(ولسوف يعطيك ربّك فترضى)، وهذا أعظم أكرام وأسمى احترام من ربّ العالمين لعبده المصطفى محمّد (ص).
فالعطاء الرّباني سيغدق عليه حتى يرضى...حتى ينتصر على الأعداء ويعّم نور الإِسلام الخافقين، كما أنّه سيكون في الآخرة أيضاً مشمولا بأعظم الهبات الإِلهية.
النّبي الأعظم (ص) باعتباره خاتم الأنبياء، وقائد البشرية، لا يمكن أن يتحقق رضاه في نجاته فحسب، بل إنّه سيكون راضياً حين تُقبل منه شفاعته في أُمته.
ومن هنا جاءت الرّوايات لتؤكد أن هذه الآية أكثر آيات القرآن الكريم دلالة على قبول الشفاعة منه عليه أفضل الصلاة والسلام.
وفي حديث رواه محمّد بن علي (عليهما السلام) عن عمّه محمّد الحنفية عن أبيه أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: أنّ رسول اللّه (ص) قال: "أشفع لاُمّتي حتّى يناديني ربّي: أرضيت يا محمّد؟ فأقول: نعم يا ربّ رضيت"
ثمّ إنّ أمير المؤمنين التفت إلى جماعة وقال:
"يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عزَّوجلّ: ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم...) الآية، وإنّا أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله: ( ولسوف يعطيك ربّك فترضى) وهي والله الشفاعة ليعطيها في أهل لا إله إلاّ الله حتى تقول: ربّ رضيت". (2)
وعن الإمام الصادق (ع) قال: دخل رسول اللّه على فاطمة (ع) وعليها كساء من خلة الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول اللّه لما أبصرها فقال: "يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل اللّه عليَّ ولسوف يعطيك ربّك فترضى". (3)
بحث
فلسفة انقطاع الوحي:
يتبيّن من الآيات الكريمة في هذه السّورة أنّ النّبي (ص) يملك لنفسه شيئاً إلاّ من عند الله... لم يكن له اختيار حتى في نزول الوحي.
متى ما شاء اللّه ينزل الوحي ومتى ما شاء ينقطع، ولعل انقطاع الوحي كان ردّاً على اُولئك الذين كانوا يطالبون النبيّ بمعاجز مقترحة وفق أذواقهم، أو كانوا يقترحون عليه تغيير بعض الأحكام والنصوص، وكان (ص) يقول لهم: (قل ما يكون لي أن اُبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلاّ ما يوحى اليّ...) (4).
﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ﴾ من الخير ما لم يعلم كنهه حذف المفعول الثاني للإبهام والتعظيم ﴿فَتَرْضَى﴾ به.