لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وذهب بعضهم إلى حصر معنى السائل في طالب المعرفة العلمية، زاعماً أنّ كلمة السائل لم ترد في القرآن الكريم بمعنى طالب المال والمتاع (5)، بينما تكرر في القرآن هذا المعنى كقوله تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (6) وبهذا المعنى أيضاً وردت في المعارج - 25، وفي البقرة - 77. (وأمّا بنعمة ربّك فحدّث). والحديث عن النعمة قد يكون باللسان، وبتعابير تنمّ عن غاية الشكر والإمتنان، لا عن التفاخر والغرور. وقد تكون بالعمل عن طريق الإنفاق من هذه النعمة في سبيل اللّه، انفاقاً يبيّن مدى هذه النعمة. هذه هي خصلة الإنسان السخي الكريم... يشكر اللّه على النعمة، ويقرن الشكر بالعمل، خلافاً للسخفاء البخلاء الذين لا يكفون عن الشكوى والتأوه، ولا يكشفون عن نعمة ولو حصلوا على الدنيا وما فيها، وجوههم يعلوها سيماء الفقر، وكلامهم مفعم بالتذمّر والحسرة، وعملهم يكشف عن فقر! بينما روي عن رسول اللّه (ص) قال: "إنّ اللّه تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه" (7) من هنا يكون معنى الآية: بيّن ما أغدق اللّه عليك من نِعَم بالقول والعمل، شكراً على ما أغناك اللّه إذ كنت عائلاً. بعض المفسّرين ذهب إلى أنّ النعمة في الآية هي النعمة المعنوية ومنها النبوّة والقرآن، والأمر للنبيّ بالإبلاغ والتبيين، وهذا هوالمقصود من الحديث بالنعمة. ويحتمل أيضاً أن يكون المعنى شاملاً للنعم المادية والمعنوية، لذلك ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) في تفسير هذه الآية قوله: "حدث بما أعطاك اللّه، وفضلك، ورزقك، وأحسن إليك وهداك" (8). وعن رسول اللّه (ص) قال: "من اُعطي خيراً فلم يُر عليه، سمّي بغيض اللّه، معادياً لنعم اللّه" (9). وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: "إنّ اللّه جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده" (10). بحوث 1 - القيادة المنطلقة من المعاناة والآلام الآيات الكريمة في هذه السّورة، ضمن سردها النعم الإلهية على رسول اللّه (ص)، تعكس أيضاً مسألة يُتم النبيّ في صباه، وظروفه المادية الصعبة التي عاناها، والأتعاب والآلام التي قاساها، ومن بين هذه الآلام انطلق، ويجب أن يكون كذلك. القائد الإلهي الإنساني يجب أن يذوق مرارة العيش، ويتلمس بنفسه الظروف القاسية، ويشعر بكل وجوده الحرمان، كي يستطيع أن يتفهم صحيح ما تعانيه الفئات المحرومة، ويتحسّس آلام النّاس ومعاناتهم في معيشتهم. يجب أن يفقد أباه في صغره كي يشعر بآلام الأطفال الأيتام، ولابدّ أن يبقى جائعاً لأيّام وأن ينام عاصب البطن، كي يفهم بكل وجوده آلام الجياع. لذلك كان (ص) تغرورق عينه بالدموع حين يرى يتيماً، وكان يظمّ ذلك اليتيم إلى صدره ويداعبه بكل حرارة. يجب أن يتفهّم ما يعانيه مجتمعه من فقر ثقافي، كي يعتزّ بكل من يأتيه لطلب معرفة أو علم، ويستقبله بصدر رحب. ليس النبيّ الخاتم وحده، بل قد يكون كلّ الأنبياء منطلقين من حياة المعاناة والألم، وهكذا كلّ القادة الحقيقيين الناجحين كانوا كذلك... ويجب أن يكونوا كذلك. من كان يرفل في نعومة العيش، وفي الثراء والقصور، وكان ينال كلّ ما يريد، كيف يستطيع أن يدرك آلام المحرومين، وكيف يستطيع أن يتفهم معاناة الفقراء والبائسين ليهب لمساعدتهم؟! في حديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : "ما بعث اللّه نبيّاً قطّ حتى يسترعيه الغنم يعلّمه بذلك رعية النّاس" (1). وفي رعي الغنم دروس في تحمل الآلام، وفي الصبر أمام موجود ضعيف قليل الشعور، كما إنّه استلهام لدروس التوحيد والعرفان من خلال حياة الصحراء والعيش في أحضان الطبيعة. وفي رواية أنّ "موسى بن عمران" سأل ربّه عن سبب اختياره لمقام النبوّة، فجاءه الجواب: أتذكر يوماً أنّ حملاً قد فرّ من قطيع غنمك فتبعته حتى أخذته ثمّ قلت له: لماذا اتعبت نفسك، ثمّ حملته على كتفك، وجئت به إلى القطيع، ولذلك اخترتك راعياً لخلقي، وهذا يعني أنّ اللّه تعالى رأى في موسى قدرة فائقة على التحمّل تجاه هذا الحيوان ممّا يدلّ على قوّة روحية فائقة أهلته لهذه المنزلة الكبيرة. 2 - الإهتمام بالأيتام لا يخلو مجتمع من أيتام فقدوا الأب في صِغَرهم، وهؤلاء الأطفال يجب أن يتمتعوا بحماية من مختلف الجهات. فمن الناحية العاطفية، يشعر هؤلاء بنقص، إذا لم يُسدَّ فإنّهم سيشبّون أفراداً غير سالمين، وكثيراً ما يكونون قساة مجرمين خطرين. ومن الناحية الإنسانية يجب أن يعيش هؤلاء في حماية ورعاية كسائر أبناء المجتمع، أضف إلى ذلك يجب أن يشعر أفراد المجتمع بضمان مستقبل أبنائهم الذين قد يصابون باليتم في يوم من الأيّام. الأيتام قد يكونون أصحاب تركة مالية يجب أن تصان بكلّ دقّة، وقد يكونون معدمين مالياً فيجب الإهتمام بهم من هذه الناحية، والآخرون يتحملون مسؤولية التعامل مع هؤلاء بكل اهتمام ورفق كي يزيلوا عنهم غبار عناء الوحدة. لذلك ركزت آيات القرآن الكريم ونصوص الشريعة الأُخرى على هذه المسألة ذات البعد الأخلاقي والبعد الإجتماعي والإنساني. وعن رسول اللّه (ص) قال: "إنّ اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول اللّه لملائكته يا ملائكتي من أبكى هذا اليتيم الذي غيب أبوه في التراب؟ فتقول الملائكة: أنت أعلم، فيقول اللّه تعالى: "يا ملائكتي، فإنّي أشهدكم أن لمن أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة" (2). وأكثر من ذلك روي عنه (ص) قال: "إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن" (3). وروي عنه (ص) : "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة إذا اتقى اللّه عزّوجلّ، وأشار بالسبابة والوسطى" (4). ولأهمية هذه المسألة قرنها علي أمير المؤمنين في وصيته المعروفة بالصلاة والقرآن وقال: "اللّه اللّه في الأيتام فلا تغبُّوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم" (5). وعن أحد الصحابة قال: كنّا جلوساً عند رسول اللّه فأتاه غلام فقال: غلام يتيم وأخت لي يتيمة، واُمّ لي أرملة، أطعمنا ممّا أطعمك اللّه، أعطاك الله ممّا عنده حتى ترضى، قال: ما أحسن ما قلت يا غلام، أذهب يا بلال فأتنا بما كان عندنا فجاء بواحدة وعشرين تمرة، فقال: سبع لك وسبع لأختك وسبع لاُمّك، فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه وقال: جبر اللّه يُتمك وجعلك خلفاً من أبيك وكان من أبناء المهاجرين. فقال رسول اللّه (ص) : رأيتك يا معاذ وما صنعت. قال: رحمته. قال (ص) : "لا يلي أحد منكم يتيماً فيحسن ولايته، ووضع يده على رأسه إلاّ كتب اللّه له بكل شعرة حسنة ومحا عنه بكلّ شعرة سيئة، ورفع له بكلّ شعرة درجة". (6) في المجتمعات الكبيرة مثل مجتمعاتنا اليوم، لا يمكن للمسلمين أن يكتفوا طبعاً بالأعمال الفردية، بل لابدّ أن تتمركز القوى لرعاية الأيتام وفق برنامج اقتصادي وثقافي وتعليمي مدروس، كي ينشأ هؤلاء الأيتام أفراداً لائقين للمجتمع الإسلامي. وهذا يتطلب تعاوناً اجتماعياً عاماً. 3 - التحدّث بالنعم إظهار نعمة الربّ، حين يكون بدافع الشكر والثناء، لا على سبيل التفاخر والإستعلاء، يدفع الإنسان نحو التكامل على سلّم العبودية، كما إنّ له أيضاً آثاراً اجتماعية إيجابية، وآثاراً نفسية تبعث على السكينة والإستقرار. الإنسان الذاكر لنعم ربّه لا يشتدّ عليه ضغط النواقص. إذا أصيب في عضو من أعضاء بدنه يخفف عليه ألم الإصابة شكره على سلامة بقية الأعضاء، وإذا فقد شيئاً لا يجزع لأنّه شاكر على ما بقي عنده من امكانات. هؤلاء الذاكرون لنعم اللّه لا يعتريهم يأس وقنوط في الشدائد والهزات، ولا يصيبهم قلق واضطراب، قلوبهم هادئة ونفوسهم مطمئنة وقدرتهم على مواجهة المشاكل كبيرة. إلهي! نِعَمُك أكثر من أن نحصيها ونتحدث بها، فلا تسلبها عنّا، بل زدها بكرمك. ربّاه! نحن في هذه الدنيا مغمورون ببحر كرمك فلا تحرمنا من عطائك يوم القيامة. يا ربّ العالمين! وفقنا لأن نكون في مساعدة المحرومين مسارعين، ولحقوق الأيتام محافظين. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة الضحى ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ هو شامل لكل نعمة وللتحدث بلسان المقال والحال.