وفي الموهبة الثّالثة يقول سبحانه. (ورفعنا لك ذكرك) فاسمك مع اسم الإسلام والقرآن قد ملأ الآفاق، وأكثر من ذلك اقترن اسمك باسم اللّه سبحانه في الأذان يرفع صباح مساء على المآذن.
والشهادة برسالتك لا تنفك عن الشهادة بتوحيد اللّه في الإقرار بالإسلام وقبول الدين الحنيف.
وأي فخر أكبر من هذا؟ وأي منزلة أسمى من هذه المنزلة.
وروي عن الرّسول (ص) في تفسير هذه الآية قال: "قال لي جبرائيل قال اللّه عزّوجلّ: إذا ذُكرتُ ذُكرتَ معي".
(وكفى بذلك منزلة).
والتعبير بكلمة (لك) تأكيد على رفعة ذكر النّبي رغم كل عداء المعادين وموانع الصّادين.
وقد ذكرنا أنّ هذه السّورة مكّية، بينما الآية الكريمة تتحدث عن انتشار الإسلام، وتجاوز عقبات الدعوة، وإزالة الأعباء التي كانت تثقل كاهل الرّسول (ص)، وارتفاع ذكر النّبي في الآفاق... وهذا ما حدث في المدينة لا في مكّة.
قيل: إنّ السّورة تبشّر النّبي بما سيلقاه في المستقبل، وكان ذلك سبباً لزوال الحزن والهم من قلبه، وقيل أيضاً: إنّ الفعل الماضي هنا يعني المستقبل.
ولكن الحق أنّ قسماً من هذه الاُمور قد تحقق في مكّة خاصّة في أواخر السنين الثلاث عشرة الاُولى من الدعوة قبل الهجرة، تغلغل الإيمان في قلوب كثير من النّاس وخفّت وطأة المشاكل، وذاع صيت النّبي في كلّ مكان، وتهيأت الأجواء لإنتصارات أكبر في المستقبل.
شاعر النّبي "حسان بن ثابت" ضمّن معنى الآية الكريمة في أبيات جميلة، وقال:
وضمّ الإله اسم النّبي إلى اسمه إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقّ له من اسمه ليجلّه فذو العرش "محمود" وهذا "محمّد"
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ بأن قرنت اسمك باسمي في الأذان والشهادة والخطبة وفي القرآن وذكرت نعتك في الكتب المتقدمة.