لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ تصف الآيتان التاليتان الربّ الأكرم: (الذي علم بالقلم). (علم الإنسان ما لا يعلم). وهاتان الآيتان أيضاً تتجهان إلى الجواب على قول رسول اللّه (ص) : ما أنا بقاريء، أي إنّ اللّه الذي علم البشر بالقلم وكشف لهم المجاهيل، قادر على أن يعلم عبده الأمين القراءة والتلاوة. جملة (الذي علم بالقلم) تحتمل معنيين. الأوّل: أنّ اللّه علم الإنسان الكتابة، وأعطاه هذه القدرة العظيمة التي هي منبثق تاريخ البشر، ومنطلق جميع العلوم والفنون والحضارات. والثّاني: المقصود أنّ اللّه علم الإنسان جميع العلوم عن طريق القلم وبوسيلة الكتابة. وبإيجاز إمّا أن يكون التعليم، تعليم الكتابة، أو تعليم العلوم عن طريق الكتابة. وهو - على أي حال - تعبير عميق المعنى في تلك اللحظات الحساسة من بداية نزول الوحي بحثان: 1 - بداية نزول الوحي مقرون ببداية حركة علمية هذه الآيات كما ذكرنا هي أوّل ما نزل على رسول اللّه (ص) على ما ذهب إليه أغلب المفسّرين أو جميعهم، وبذلك بدأ فصل جديد في تاريخ البشرية، وأضحت الإنسانية مشمولة بأعظم الألطاف الإلهية وبأكمل الأديان وخاتمها. واستمرّ نزول الوحي حتى اكتمل التشريع الإلهي بمصداق قوله سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) (6)، وبذلك أتمّ اللّه نعمته على الأجيال البشرية المتعاقبة حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها. والمهمّ في الإمر أنّ هذه الآيات نزلت على نبيّ اُمي لم يتعلم القراءة والكتابة وفي بيئة اجتماعية تسودها الاُمية والجهل لتتحدث أوّل ما تتحدث عن العلم وعن القلم مباشرة بعد ذكر نعمة الخلق! هذه الآيات تتحدث في الواقع أوّلاً عن تكامل "جسم" الإنسان من موجود تافه هو "العلقة"، ثمّ عن تكامل "روحه" بواسطة التعليم والتعلّم خاصّة عن طريق القلم. حين نزلت هذه الآيات لم تكن بيئة الحجاز وحدها بل كان العالم المتحضر في ذلك العصر أيضاً لا يعير أهمية تذكر للقلم. أمّا اليوم فإنّنا نعلم أنّ القلم محور كل الحضارات والعلوم، وكلّ تقدم في أي مجال من المجالات، ونعلم تفوق أهمية "مداد العلماء" على "دماء الشهداء"، لأنّ هذا المداد هو الذي يكون الأساس القويم لدماء الشهداء والسند المتين له. ولا نكون مغالين إذا قلنا أنّ مصير المجتمعات البشرية مرتبط بما تفرزه الأقلام. إصلاح المجتمعات البشرية يبدأ من الأقلام الملتزمة المؤمنة، وفساد المجتمعات أيضاً ينطلق من الأقلام المسمومة. ولأهمية القلم يقسم القرآن به وبما يفرزه، أي بآلة الكتابة وبمحصولها: (ن والقلم وما يسطرون) (7). نعلم أنّ حياة البشرية تقسم على مرحلتين: - عصر التاريخ. - عصر ما قبل التاريخ. وعصر التاريخ يبدأ من استعمال القلم والكتابة والقراءة... من زمن اقتدار الإنسان على أن يكتب بالقلم، وأن يخلف تراثاً للأجيال، من هنا فتاريخ البشرية مقرون بتاريخ ظهور القلم والخط. وحول دور القلم في حياة البشرية كان لنا وقفة طويلة في بداية تفسير سورة القلم. من هنا فإنّ أساس الإسلام أقيم منذ البداية على أساس العلم والقلم... ولذلك استطاع قوم متخلفون أن يتقدموا في العلم والمعرفة حتى تأهّلوا - باعتراف الأعداء والأصدقاء - لتصدير علومهم إلى العالم! إن علم المسلمين ومعارفهم هو الذي مزّق ظلام القرون الوسطى في أوروبا وأدخلها عصر الحضارة. وهذا ما يعترف به علماء أوروبا أنفسهم فيما كتبوه في حقل تاريخ الحضارة الإسلامية وفي تراث الإسلام. وما أبشع وأفظع أن تكون أخلاق أُمّة كتلك تمتلك بين ظهرانيها ديناً كهذا متخلفة في ميادين العلم والمعرفة ومحتاجة إلى الآخرين بل وتابعة لهم!! 2 - باسم اللّه في كلّ حال بدأت دعوة النّبي (ص) باسم اللّه وذكره: (اقرأ باسم ربّك). واستمرت حياة الرّسول مقرونة في كلّ حال بذكر اللّه... اقترن الذكر بأنفاسه... بقيامه... بجلوسه... بنومه... بمشيه... بركوبه... بترجله... بتوقفه... كان كلّه باسم اللّه. عندما كان يستيقظ يقول: "الحمد للّه الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور". يقول ابن عباس: بتّ ليلة مع النّبي، وعندما استيقظ رفع رأسه إلى السماء، وتلا الآيات العشر الأخيرة من سورة آل عمران: (إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار...) ثمّ قال: "اللّهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهنّ...اللّهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت...". حين كان يخرج من البيت يقول: "بسم اللّه، توكلت على اللّه، اللّهم إنّي أعوذ بك أن أضِلّ، أو أضَل، أو أزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل، أو يُجهل عليَّ". وحين يرد المسجد يقول: "أعوذ باللّه العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم". وحين يرتدي لباساً جديداً يقول: "اللّهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شرّه وشرّ ما صنع له". وحين يعود إلى المنزل يقول: "الحمد للّه الذي كفاني وأواني، والحمد للّه الذي أطعمني وسقاني". وبذلك فإنّ حياة الرّسول الأكرم (ص) بكل مرافقها كانت مقرونة بذكر اللّه واسمه الكريم. (8) ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ من العلوم والصناعات.