لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: السجود والتقرب: بعد الحديث في الآيات السابقة عن الطغاة الكافرين الصادين عن سبيل اللّه، توجّه هذه الآيات أشدّ التهديد لهم وتقول: (كلاّ) لا يكون ما يتصور (لانّه تصور أن يصدّ عن عبادة اللّه بوضعه قدمه على رقبة النّبي). (كلاّ لئن لم ينته لنسفعنّ بالناصية) نعم، إذا لم ينته من إثمه وطغيانه سنجرّه بالقوّة من شعر مقدمة رأسه (وهي الناصية)، وثمّ وصف الناصية هذه بأنّها كاذبة خاطئة وهو وصف لصاحبها (ناصية كاذبة خاطئة). "لنسفعاً": من السفع، وذكر له المفسّرون معاني متعددة: الجرّ بالشدّة، الصفع على الوجه، تسويد الوجه (الأثافي الثلاثة التي يوضع عليها القدر تسمى "سفع" لأنّها تسوّد بالدخان)، ووضع العلامة والإذلال (1). والأنسب المعنى الأوّل، وإن كانت الآية تحتمل معاني اُخرى أيضاً. وهل حدوث هذا السفع بالناصية في يوم القيامة، حيث يسحب أبو جهل وأمثاله من مقدمة شعر الرأس إلى جهنم، أم في الدنيا، أم في كليهما؟ لا يستبعد أن يكون في كليهما، والشاهد على ذلك الرّواية التالية: "لمّا نزلت سورة الرحمن، علم القرآن... قال النّبي (ص) لأصحابه: من يقرؤها منكم على رؤوساء قريش؟ فتثاقلوا مخافة أذيتهم، فقام ابن مسعود وقال: أنا يارسول اللّه، فأجلسه عليه السلام، ثمّ قال: من يقرؤها عليهم؟ فلم يقم إلاّ ابن مسعود، ثمّ ثالثاً كذلك إلى أن أذن له، وكان عليه السلام يبقي عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته. ثمّ إنّه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة، فافتتح قراءة السّورة، فقام أبو جهل فلطمه فشقّ أذنه وأدماه، فانصرف وعيناه تدمع. فلمّا رآه النّبي عليه السلام رق قلبه وأطرق رأسه مغموماً، فإذا جبريل عليه السلام يجيء ضاحكاً مستبشراً، فقال: يا جبريل تضحك وابن مسعود يبكي! فقال: ستعلم. فلمّا ظهر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في المجاهدين، فأخذ يطالع القتلى: فإذا أبو جهل مصروع يخور... فصعد على صدره، فلمّا رآه أبو جهل قال: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعباً. فقال ابن مسعود: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. فقال أبو جهل: بلغ صاحبك أنّه لم يكن أحد أبغض إليّ منه في حياتي، ولا أحد أبغض إليّ منه في حال مماتي. روي أنّه عليه السلام لما سمع ذلك قال: "فرعوني أشدّ من فرعون موسى فإنّه قال آمنت وهو قد زاد عتواً". ثمّ قال أبو جهل لابن مسعود: اقطع رأسي بسيفي هذا، لأنّه أحدّ وأقطع. فلمّا قطع رأسه لم يقدر على حمله، فراح يجرّه على ناصيته إلى رسول اللّه، (وبذلك تحقق قوله سبحانه: (لنسفعن بالناصية) في هذه الدنيا أيضاً" (2). "الناصية": شعر مقدم الرأس، و (السفع بالناصية) يراد به الإذلال والإرغام، لأنّ أخذ الشخص بناصيته يفقده كلّ حركة ويجبره على الإستسلام. "الناصية" تستعمل لمقدمة رأس الأفراد، وللجزء النفيس من الشيء كأن نقول "ناصية البيت". ووصف الناصية بأنّها "كاذبة خاطئة" يعني أنّ صاحبها كاذب في أقواله وخاطيء في أعماله، كما كان أبو جهل. ولقد وردت بعض الرّوايات الصحيحة بأنّ السّورة - عدا المقطع الأوّل منها - قد نزلت في أبي جهل إذ مرّ برسول اللّه (ص) وهو يصلي عند المقام فقال (يا محمّد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فاغلظ له رسول اللّه وانتهره...) ولعلها هي التي أخذ فيها رسول اللّه بخناقه وقال له: (أولى لك ثمّ أولى) فقال: يا محمّد بأي شيء تهددني؟ أما واللّه وإنّي لأكثر هذا الوادي نادياً) (3). ﴿كَلَّا﴾ ردع له ﴿لَئِن لَّمْ يَنتَهِ﴾ عن فعله ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ لنأخذن بناصيته ونجر بها إلى النار أو لنسودن وجهه بها.