وأهم من ذلك أنّ الأرض: (يومئذ تحدث أخبارها).
تحدّث بالصالح والطالح، وبأعمال الخير والشر، ممّا وقع على ظهرها.
وهذه الأرض واحد من أهم الشهود على أعمال الإنسان في ذلك اليوم.
وهي إذن رقيبة على ما نفعله عليها.
وفي حديث عن رسول اللّه (ص) قال: "أتدرون ما أخبارها"؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
قال: "أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عملوا على ظهرها.
تقول عمل كذا وكذا، يوم كذا، فهذا أخبارها" (5).
وفي حديث آخر عن النّبيّ (ص) قال: "حافظوا على الوضوء وخير أعمالكم الصلاة، فتحفظوا من الأرض فإنّها اُمّكم، وليس فيها أحد يعمل خيراً أو شرّاً إلاّ وهي مخبرة به" (6).
وعن أبي سعيد الخدري قال: متى كنت في بيداء فارفع صوتك بالأذان لأنّي
سمعت رسول اللّه (ص) يقول: "لا يسمعه جن ولا إنس ولا حجر إلاّ يشهد له" (7).
وهل إن تحديث الأرض يعني أنّها تتكلم في ذلك اليوم بأمر اللّه، أم إن المقصود ظهور آثار أعمال الإنسان على ظهر الأرض؟
واضح أنّ كل عمل يقوم به الإنسان يترك آثاره حتماً على ما حوله، وإن خفيت علينا هذه الآثار اليوم، تماماً مثل آثار أصابع اليد التي تبقى على مقبض الباب، وفي ذلك اليوم تظهر كل هذه الآثار، وحديث الأرض ليس سوى هذا الظهور الكبير; تماماً كما نقول لشخص نعسان: عينك تقول إنّك كنت سهراناً أمس.
أي إنّ آثار السهر عليها واضحة.
وليس هذا الموضوع بغريب اليوم بعد الإكتشافات العلمية والإختراعات القادرة في كلّ مكان وفي لحظة أن تسجل صوت الإنسان وتصور أعماله وحركاته في أشرطة يمكن طرحها في المحكمة كوثائق إدانة لا تقبل الإنكار.
لو كانت شهادة الأرض فيما مضى عجيبة، فليست اليوم بعجيبة ونحن نرى شريطاً رقيقاً يمكن أن يكون بحجم أزرار اللباس قادراً على أن يحتفظ بكثير من الأعمال والأقوال.
وفي حديث عن علي (ع) قال: "صلوا المساجد في بقاع مختلفة، فإنّ كلّ بقعة تشهد للمصلّي عليها يوم القيامة" (8).
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ بدل من إذا أو ناصبها ﴿تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ تخبر بلسان حالها بقيام الساعة أو ينطقها الله فتخبر بما عمل عليها