لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ ينتقل الحديث إلى جزاء أعمال المجموعتين المؤمنة والكافرة، الصالحة والطالحة. (ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره). (فمن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره). وهنا أيضاً تفسيرات مختلفة لرؤية الأعمال هل هي رؤية جزاء الأعمال، أم صحيفة الأعمال، أو العمل نفسه. ظاهر الآية يدل أيضاً على مسألة "تجسم الأعمال" ومشاهدة العمل نفسه، صالحاً أم سيئاً، يوم القيامة. حتى إذا عمل ما وزنه ذرة من الذرات يره مجسماً يوم القيامة. "مثقال" في اللغة بمعنى الثقل، وبمعنى الميزان الذي يقاس به الثقل والمعنى الأوّل هوالمقصود في الآية. و"الذرة" ذكروا لها معاني متعددة من ذلك، النملة الصغيرة، والغبار الذي يلصق باليد عند وضعها على الأرض، وذرات الغبار العالقة في الجو التي تتّضح عندما تدخل حزمة ضوء من ثقب داخل غرفة مظلمة. والذرة تطلق اليوم على أصغر جزء من أجزاء المادة والتي منها تصنع "القنبلة الذرية"، مع احتفاظه بخواص المادة الأصلية. ولا ترى بأقوى المجاهر، وتشاهد آثارها فقط، وتعرف خواصها بالمحاسبات العلمية...مهما كان مفهوم الذرة فهو هنا أصغر وزن. هذه الآية على أي حال تهزّ كيان الإنسان الواعي من الأعماق، وتشير إلى أنّ حساب اللّه في ذلك اليوم دقيق وحساس للغاية. وميزان أعمال النّاس دقيق إلى درجة يحصي أقلّ أعمال الإنسان. بحوث 1 - الدقّة في تحري الأعمال الآيتان المذكورتان وآيات اُخرى مشابهة تدلّ دلالة واضحة على الدقّة المتناهية في تحرّي الأعمال وفي المحاسبة يوم القيامة، كقوله سبحانه: (يا بني إنّها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها اللّه إن اللّه لطيف خبير) (1). و"الخردل" بذر صغير جدّاً لنبات معروف يضرب به المثل لصغره. هذه التعابير القرآنية تدلّ على أنّ أصغر الأعمال يحاسب عليها في تلك المحاسبة الكبرى، وهذه الآيات تحذر أيضاً من استصغار الذنوب الصغيرة، أو التهاون في أعمال الخير والصغيرة. فما يحاسب عليه اللّه سبحانه - مهما كان - ليس بقليل الأهمية. لذلك قال بعض المفسّرين إنّ هذه الآيات نزلت حين كان بعض الصحابة يتهاون في إنفاق الأموال القليلة، وكانوا يقولون: إنّ الأجر يتوقف على إنفاق ما نحبّ، والأشياء الصغيرة لا نحبها. وهكذا كانوا يستهينون بالذنوب الصغيرة. فنزلت الآيات وحثتهم على فعل الخيرات مهما قلت ونهتهم عن الذنوب مهما صغرت. 2 - جواب على سؤال يطرح هنا سؤال بشأن ما تحدثت عنه الآيات وهو أنّ الإنسان يرى كلّ أعماله صالحة أم طالحة، صغيرة أم كبيرة. فكيف ينسجم ذلك مع الآيات التي تطرح مفاهيم "الإحباط" و"التكفير" و"العفو" و"التوبة"؟ فآيات "الإحباط" تقرر أنّ بعض السيئات مثل الكفر يذهبن الحسنات: (لئن أشركت ليحبطن عملك) (2). وآيات "التكفير" تقول: (إنّ الحسنات يذهبن السيئات) (3) وآيات "العفو والتوبة" توضح محو الذنوب بتوبة العبد وعفو الرب. فكيف تنسجم هذه المفاهيم مع رؤية كلّ أعمال الخير والسؤ؟ والجواب: أنّ الآيات المذكورة أعلاه والتي تنص على رؤية أعمال الخير وأعمال السوء يوم القيامة هو أصل كلي وقانون عام. وكلّ قانون قد يكون له إستثناءات. وآيات العفو والتوبة والإحباط والتكفير هي من هذه الإستثناءات. وثمّة جواب آخر هو إنّه في حالة الإحباط والتكفير تحدث في الواقع موازنة وكسر وانكسار تماماً مثل "المطالبات" و"القروض" التي يقل بعضها على حساب بعض، وحينما يرى الإنسان نتيجة هذه الموازنة فإنّما رأى في الواقع كلّ أعماله الصالحة والطالحة. ومثل هذا يصدق أيضاً على "العفو" و"التوبة" لأنّ العفو لا يتمّ دون لياقة، والتوبة هي بنفسها من الأعمال الصالحة. بعضهم ذكر هنا جواباً لا يبدو صحيحاً، وهو أنّ الكفار يرون نتيجة أعمالهم الصالحة في هذه الدنيا، وهكذا المؤمنون ينالون جزاء أعمالهم السيئة في هذا العالم. والظاهر أنّ الآيات التي نحن بصددها ترتبط بالقيامة لا بالدنيا، أضف إلى ذلك ليست هناك قاعدة كليّة تقضي أن يرى كل مؤمن وكافر نتيجة أعماله في هذه الدنيا. 3 - الآية الجامعة روي عن عبد اللّه بن مسعود قال: إنّ أحكم آية في القرآن: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره). وكان رسول اللّه (ص) يسميها "الجامعة" (4). وحقّاً، لو تدبر الإنسان في محتوى هذه الآية تكفيه دافعاً إلى طريق الخير وناهياً عن طريق الفساد والإنحراف. لذا ورد أنّ رجلاً جاء النّبي (ص) وقال له: علمني ممّا علمك اللّه. فأوكله النبيّ (ص) إلى أحد أصحابه ليعلمه القرآن، فعلمه: (إذا زلزلت الأرض) إلى آخر السّورة. فنهض الرجل وقال: هذه تكفيني... وفي رواية قال: تكفيني هذه الآية. عن زيد بن أسلم (رض) أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ (ص) فقال: علمني ما علمك اللّه، فدفعه إلى رجل يعلمه القرآن فعلمه إذا زلزلت الأرض حتى بلغ فمن يعمل الخ... قال الرجل: حسبي. فأخبر بذلك النبيّ (ص) فقال: "دعه فقد فقه الرجل" (5) وعن أبي سعيد الخدري قال: لما أنزلت هذه الآية (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره) قلت: يارسول اللّه إنّي لراء عملي؟ قال: نعم. قلت: الكبار الكبار. قال: نعم. قلت: الصغار الصغار. قال: نعم. قلت واثكلى اُمي، قال: ابشر يا أبا سعيد فإنّ الحسنة بعشر أمثالها يعني إلى سبعمائة ضعف، واللّه يضاعف لمن يشاء والسيئة بمثلها أو يعفو اللّه، ولن ينجو أحد بعمله. قلت: ولا أنت يا نبيّ اللّه؟ قال: ولا أنا إلاّ أن يتغمدني اللّه منه بالرحمة. (6) ربّنا! عندما لا يكون في ذلك اليوم لرسولك العظيم ملاذ سوى عفوك ورحمتك، فكيف بنا وكيف حالنا... إلهنا! إذا كانت أعمالنا هي الأصل في نجاتنا فالويل لنا، وإن اسعفنا كرمك فهنيئاً لنا... اللّهمّ! ليس لنا في ذلك اليوم الذي تتجسد فيه الأعمال صغيرها وكبيرها إلاّ لطفك العميم ورحمتك الواسعة. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة الزلزلة ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ زنة نملة صغيرة أو هباءة ﴿خَيْرًا يَرَهُ﴾ يرى ثوابه هذا في المؤمن وأما في الكافر فقيل يرى جزاءه في الدنيا أو يخفف عنه في الآخرة.