ونستبعد هذا الإحتمال، لعدم انسجامه مع الآية التالية: (وما أدراك ما هيه) ؟.
"هاوية" من (هوى)، أي سقط، والهاوية اسم لجهنّم لإنّها محل سقوط المذنبين.
وهي إشارة أيضاً إلى عمق نار جهنم.
وإذا اعتبرنا (اُم) بمعنى دماغ فتكون هاوية بمعنى ساقطة.
والتّفسير الأوّل أصح وأنسب.
"حامية" من (حمى) - على وزن نفي - وهو شدّة الحرارة.
و"حامية" هنا إشارة إلى قدرة نار جهنم على الإحراق.
وقوله سبحانه: (وما أدراك ماهيه، نار حامية) تأكيد على شدّة عذاب نار جهنم وعلى أنّها فوق تصور كلّ البشر.
بحث
سبب ثقل ميزان الأعمال:
الأعمال الصالحات هي دون شك متفاوتة في قيمتها ووزنها.
من هنا فالنصوص الإسلامية ركزت على بعض الأعمال أكثر من غيرها واعتبرتها سبباً لثقل ميزان الأعمال يوم القيامة.
من ذلك حديث عن رسول اللّه (ص) قال في تفسير لا إله إلاّ اللّه: "يعني بوحدانيته، لا يقبل اللّه الأعمال إلاّ بها، وهي كلمة التقوى، يثقل اللّه بها الموازين يوم القيامة" (1).
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال حول الشهادتين: "خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه" (2).
وعن الإمام الباقر أو الصادق (عليهما السلام) : "ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد"... ثمّ يقول في ذيل الرّواية: وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فيميل به فيخرج الصلاة فيضعها في ميزانه فيرجح. (3)
وعن الامام الباقر (ع) قال : "من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه". (4)
ونختتم هذه الرّوايات بقول لسلمان الفارسي تلميذ مدرسة الوحي جواباً لرجل استهدف اهانته وقال له: من أنت، وما قيمتك! فقال: "أمّا أولي وأولك فنطفة قذرة، وأمّا أخري وأخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة، ونصبت الموازين، فمن ثقلت موازينه فهو الكريم، ومن خفت موازينه فهو اللئيم" (5).
اللّهمّ! اجعل ميزان عملنا ثقيلاً بحبّ محمّد وآل محمّد.
ربّنا! ما بوسعنا أن نصل إلى "عيشة راضية" إلاّ بلطفك وكرمك... فاعنّا بفضلك على هذا الطريق.
إلهنا! نار جهنّم حامية... ولا طاقة لنا بها فاطفيء لظاها لنا بماء رحمتك وكرمك.
آمين يا ربّ العالمين
نهاية سورة القارعة
﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ مأواه النار ثم عظم هاوية بقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ شديدة الحر.