سبب النّزول:
قال جمع من المفسّرين إنّ آيات هذه السّورة نزلت في (الوليد بن المغيرة) الذي كان يغتاب النّبي ويطعن فيه ويستهزيء به.
وقيل إنّها نزلت في أفراد آخرين من رؤوس المشركين وأعداء الإسلام مثل (الأخنس بن شريق) و (اُمية بن خلف) و (العاص بن وائل).
ولكن، إنّ قبلنا أسباب النزول هذه فلا ينفي ذلك شمولية مفاهيم الآيات، بل إنّها تستوعب كلّ الذين يحملون هذه الصفات.
التّفسير:
الويل للهمّازين واللمّازين:
تبدأ هذه السّورة بتهديد قارع وتقول:
(ويل لكلّ همزة لمزة)... لكلّ من يستهزيء بالآخرين، ويعيبهم، ويغتابهم، ويطعن بهم، بلسانه وحركاته وبيده، وعينه وحاجبه.
"الهمزة" و"اللمزة" صيغتا مبالغة، الاُولى من الهمز، وهي في الأصل الكسر.
العائبون المغتابون يكسرون شخصية الآخرين، ولذلك اُطلق عليهم اسم (الهمزة).
و"اللمزة" من اللمز، وهو اغتياب الآخرين، والصاق العيوب بهم.
للمفسّرين آراء متعددة في معاني هاتين الكلمتين، هل معناهما واحد، وهو المغتابون النّاس العائبون عليهم، أو إنّ معناهما مختلف.
قال بعضهم إنّ معناهما واحد، وذكرهما معاً للتأكيد.
وقيل: الهمزة هوالمغتاب، واللمزة: العائب.
وقيل: الهمزة هم العائبون بإشارة اليد والرأس.
واللمزة من يعيب بلسانه.
وقيل: الاُولى إشارة إلى العائب في حضور الشخص، والثّانية للعائب في الغيبة.
وقيل: الاُولى تعني العائب في العلن، والثّانية للعائب في الخفاء، وبإشارة العين والحاجب.
وقيل: إنّ الإثنتين بمعنى الذي ينبز النّاس بالقاب قبيحة مستهجنة.
وعن ابن عباس في تفسير الكلمتين قال: "هم المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الناعتون للناس بالعيب" (1).
يبدو أن ابن عباس استلهم هذا التّفسير من كلام لرسول اللّه (ص) حيث يقول:
"ألا اُنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يارسول اللّه".
قال: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبّة، الباغون للبرآء المعايب" (2).
من مجموع آراء اللغويين في الكلمتين يستفاد أنّهما بمعنى واحد.
ولهما مفهوم واسع يشمل كلّ ألوان إلصاق العيوب بالنّاس وغيبتهم والطعن والاستهزاء بهم، باللسان والإشارة والنميمة والذم.
التعبير بكلمة (ويل) يحمل تهديداً شديداً لهذه الفئة.
والقرآن يتشدّد تجاه هؤلاء الأفراد ويذكرهم بعبارات لا نظير لها في ذكر سائر المذنبين.
فحين يذكر المنافقين الذين يسخرون من المؤمنين يتهددهم بعذاب أليم ويقول: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللّه لهم) (3).
مثل ذلك ذكره القرآن بشأن المنافقين المستهزئين بالنّبي (ص) في الآية (رقم 5) من سورة (المنافقون).
الإسلام، أساساً، ينظر إلى شخصية الإنسان وكرامته باحترام بالغ، ويعدّ أيّ عمل يؤدّي إلى إهانة الآخرين ذنباً كبيراً، وورد عن النّبي (ص) قال: "أذل النّاس من أهان النّاس" (4).
في هذا المجال ذكرنا شرحاً أوفى في تفسير الآيتين (11 و12 ) من سورة الحجرات.
﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ كثير الهمز أي الكسر من أعراض الناس واللمز أي الطعن فيهم وبناء فعله يفيد الاعتياد وهي عامة وإن نزلت في معين يغتاب الرسول كالوليد بن المغيرة وغيره.