لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول: ورد عن الإمام علي بن الحسين (ع) أنّه قال: كان أبو طالب يضرب عن رسول اللّه (ص) بسيفه إلى أن قال: فقال أبو طالب: يابن أخ إلى النّاس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصّة؟ قال: لا بل إلى النّاس أرسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار، ولأدعون السنة فارس والروم فحيرت قريش واستكبرت وقالت: أما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول واللّه لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجراً حجراً، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أوَلم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كلّ شيء) إلى آخر الآية وأنزل في قولهم لقلعت الكعبة حجراً حجراً (ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل) إلى آخر الآية (1). قصّة أصحاب الفيل: ذكر المفسّرون والمؤرخون هذه القصّة بأساليب مختلفة واختلفوا في سنة وقوعها. لكن أصل القصّة متوافرة، ونحن نذكرها استناداً إلى الرّوايات المعروفة في "سيرة ابن هشام" و"بلوغ الأرب" و"بحار الأنوار" و"مجمع البيان"بتلخيص: "ذو نواس" ملك اليمن اضطهد نصارى نجران قرب اليمن كي يتخلوا عن دينهم (ذكر القرآن قصّة هذا الإضطهاد في موضوع أصحاب الأخدود في سورة البروج، وبيّناها بالتفصيل هناك). بعد هذه الجريمة نجا من بين النصارى رجل اسمه (دوس) وتوجه إلى قيصر الروم الذي كان على دين المسيح، وشرح له ما جرى. ولما كانت المسافة بين الروم واليمن بعيدة، كتب القيصر إلى النجاشي (حاكم الحبشة) لينتقم من (ذو نواس) لنصارى نجران، وارسل الكتاب بيد القاصد نفسه. جهّز النجاشي جيشاً عظيماً يبلغ سبعين ألف محارب بقيادة (أرياط) ووجهه إلى اليمن. وكان (أبرهة) أيضاً من قواد ذلك الجيش. اندحر (ذو نواس) وأصبح (أرياط) حاكماً على اليمن، وبعد مدّة ثار عليه أبرهة وأزاله من الحكم وجلس في مكانه. بلغ ذلك النجاشي، فقرر أن يقمع (أبرهة). لكن أبرهة اعلن استسلامه الكامل للنجاشي ووفاءه له. حين رأى النجاشي منه ذلك عفا عنه وأبقاه في مكانه. و (أبرهة) من أجل أن يثبت ولاءه،بنى كنيسة ضخمة جميلة غاية الجمال، لا يوجد على ظهر الأرض مثلها آنذاك، وقرر أن يدعو أهل الجزيرة العربية لأن يحجّوا إليها بدل (الكعبة)، وينقل مكانة الكعبة إلى أرض اليمن. ارسل أبرهة الوفود والدعاة إلى قبائل العرب في أرض الحجاز، يدعونهم إلى حجّ كنيسة اليمن، فاحسّ العرب بالخطر لإرتباطهم الوثيق بمكّة والكعبة ونظرتهم إلى الكعبة على أنّها من آثار إبراهيم الخليل (ع). تذكر بعض الرّوايات أنّ مجموعة من العرب جاؤوا خفية وأضرموا النّار في الكنيسة. وقيل إنّهم لوثوها بالقاذورات، ليعبروا عن اعتراضهم على فعل أبرهة ويهينوا معبده. غضب أبرهة وقرر أن يهدم الكعبة هدماً كاملاً، للإنتقام ولتوجيه أنظار العرب إلى المعبد الجديد، فجهّز جيشاً عظيماً كان بعض أفراده يمتطي الفيل، واتجه نحو مكّة. عند اقترابه من مكّة بعث من ينهب أموال أهل مكّة، وكان بين النهب مائتا بعير لعبد المطلب. بعث (أبرهة) قاصداً إلى مكّة وقال له: ابحث عن كبير القوم وقل له إنّ أبرهة ملك اليمن يدعوك. أنا لم آت لحرب، بل جئت لأهدم هذا البيت، فلو استسلمتم، حقنت دماؤكم. جاء رسول أبرهة إلى مكّة وبحث عن شريفها فدلوه على عبد المطلب، فحدثه بحديث أبرهة، فقال عبد المطلب، نحن لا طاقة لنا بحربكم، وللبيت ربّ يحميه. ذهب عبد المطلب مع القاصد إلى النجاشي، فلما قدم عليه جعل النجاشي ينظر إليه وراقه حسنه وجماله وهيبته، حتى قام من مكانه احتراماً وجلس على الأرض واجلس عبد المطلب إلى جواره لأنّه ما أراد أن يجلس عبد المطلب على سرير ملكه ثمّ قال لمترجمه اسأله ما حاجتك؟ قال عبد المطلب: نهبت إبلي فمرهم بردّها عليّ. فاندهش أبرهة وقال لمترجمه: قل له إنّه احتل مكاناً في قلبي حين رأيته، والآن قد سقط من عيني. أنت تتحدث عن إبلك ولا تذكر الكعبة وهي شرفك وشرف أجدادك، وأنا قدمت لهدمها؟! قال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل، وللبيت ربّ يحميه؟! عاد عبد المطلب إلى مكّة، وأخبر أهلها أن يلجأوا إلى الجبال المحيطة بها، وذهب هو وجمع معه إلى جوار البيت ليدعو فأخذ حلقة باب الكعبة وانشد أبياته المعروفة: لا هُمّ إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك جروا جميع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك لا همّ إن المرء يمنع رحله فامنع عيالك وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك ثمّ لاذ عبد المطلب وجمع من قريش باحدى شعاب مكّة وأمر أحد ولده أن يصعد على جبل (أبو قبيس) ليرى ما يجري. عاد الابن مسرعاً إلى أبيه وأخبره أن سحابة سوداء تتجه من البحر (البحر الأحمر) إلى أرض مكّة. استبشر عبد المطلب وصاح: "يا معشر قريش ادخلوا منازلكم فقد أتاكم اللّه بالنصر من عنده". من جانب آخر، توجه أبرهة راكباً فيله المسمى "محموداً" مع جيشه الجرار مخترقاً الجبال ومنحدراً إلى مكّة، لكن الفيل أبى أن يتقدم، أمّا حينما يوجهوه نحو اليمن يهرول، تعجب أبرهة من هذا وتحيّر. وفي هذه الأثناء وصلت طيور قادمة من جانب البحر كأنها الخطاطيف وهي تحمل حجراً في منقارها وحجرين في رجلها، بحجم الحمّصة، وألقوها على جيش أبرهة، فأهلكتهم. وقيل: إنّ الحجر كان يسقط على الرجل منهم فيخترقه ويخرج من الجانب الآخر. ساد الجيش ذعر عجيب، فهلك منه من هلك، وفرّ من استطاع الفرار، صوب اليمن، وكانوا يتساقطون في الطريق. (أبرهة) اصيب بحجر، وجُرح، فاعيد إلى صنعاء عاصمة ملكه، وهناك فارق الحياة. وقيل: إنّ مرض الحصبة والجدري شوهد لأوّل مرّة في أرض العرب في تلك السنة. وقيل: إنّ أبرهة جاء بفيل واحد كان يركبه واسمه محمود. وقيل بل ثمانية أفيال، وقيل: عشرة، وقيل: اثني عشر. وفي هذا العام ولد رسول اللّه (ص) حسب الرّواية المشهورة، وقيل إنّ بين الحادثتين ارتباطاً. على أي حال، فإن أهمية هذه الحادثة الكبرى بلغت درجة تسمية ذلك العام بعام الفيل، وأصبح مبدأ تاريخ العرب (2). التّفسير: كيد ابرهة: يخاطب اللّه رسوله (ص) في الآية الاُولى من السّورة ويقول له: (ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل) ؟ لقد جاؤوا بجيش جرار مجهّز بالعدّة والعدد ليهدموا الكعبة. واللّه سبحانه دحرهم بجيش في ظاهره صغير بسيط. وأباد الفيلة بطير صغير، وهدم الآلة الحربية المتطورة في ذلك الزمان بحجارة من سجيل. ليتّضح ضعف هذا الإنسان المغرور المتكبر أمام قدرة اللّه. التعبير بجملة (ألم تَر) في الآيه، مع أنّ الحادثة وقعت قبل ولادة النّبي (ص) أو مقترنة بولادته، يعود إلى أنّ الحادثة المذكورة قريبة العهد من عصر النّبي (ص)، كما إنّها بلغت من الشهرة والتواتر وكأن النّبي رأها بعينه المباركة. هذا إلى أن جمعاً من معاصري الرسول كانوا قد رأوها بأعينهم. عبارة (أصحاب الفيل) إشارة إلى ما كان مع الجيش المهاجم من فيلة جاؤوا بها من اليمن ليرعبوا العرب وخيولهم (3). ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ الذين قصدوا تخريب الكعبة وقادوا معه فيل الهدمة.