لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
تشرح الآية (96) من سورة النساء - نوع هذا الأجر العظيم فقول أنّه: (درجات منه ومغفرة ورحمة) فلو أنّ أفراداً من بين المجاهدين تورطوا في زلة أثناء أدائهم لواجبهم فندموا على تلك الزّلة، فقد وعدهم الله بالمغفرة والعفو، حيث يقول في نهاية الآية:(... وكان الله غفوراً رحيماً). نكات مهمة حول المجاهدين: 1 - لقد كررت الآية (95) عبارة المجاهدين ثلاث مرات: في المرّة الأُولى ذكر المجاهدون مع الهدف والوسيلة الخاصّة بالجهاد: (المجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم...). وفي الثّانية: ذكر اسم المجاهدين مقروناً بوسيلة الجهاد، ولم يذكر شيء عن الهدف: (المجاهدون بأموالهم وأنفسهم...). وأمّا في المرحلة الأخيرة فقد جاءت الآية باسم المجاهدين فقط، حيث يدل ذلك بوضح على الأُسلوب البلاغي الرفيع في الكلام القرآني، حيث يتعرف السامع شيئاً فشيئاً بواسطته على الموضوع وتخف قيوده وصفاته لديه، وتصل درجة التعرف إِلى مرحلة يفهم السامع بها كل شيء من خلال إِشارة واحدة. 2 - لقد ذكرت الآية في البداية تفوق المجاهدين على القاعدين بعبارة مفردة وهي "درجة" بينما في الآية التالية جاءت هذه العبارة بصيغة الجمع "درجات" وجلّى أن لا تناقض بين هاتين العبارتين، لأن القصد من العبارة الأُولى تبيان تفوق المجاهدين على غيرهم، ولكن العبارة الثانية تشرح هذا التفوق حين تقترن بذكر عبارات "المغفرة" و"الرحمة"، وبعبارة أُخرى فإِن الفرق بين هاتين العبارتين "درجة" و"درجات" هو الفرق بين المجمل والمفصل. كما يمكن الإِستفادة من عبارة "درجات" على أنّها تعني أن المجاهدين ليسوا كلّهم في درجة أو مستوى واحد، بل تختلف درجاتهم باختلاف درجة إِخلاصهم وتفانيهم وتحملهم للمشاق، وتختلف بذلك منزلتهم المعنوية، لأنّه من البديهي أن الذين يجاهدون الأعداء في صف واحد ليسوا جميعاً بمستوى جهادي واحد، كلها تختلف درجات الإِخلاص لدى كل واحد منهم بالقياس إِلى أمثالهم، ولذلك فإِنّ لكل واحد منهم ثواباً خاصاً به يتناسب مع عمله الجهادي ونيّته في هذا العمل. الأهمية بالبالغة للجهاد: إِنّ الجهاد قانون عام في عالم الخليقة، فإِنّ كل مخلوق سواء كان من النباتات أو الحيوانات يسعى لإِزالة ما يعترض طريقه من موانع بواسطة الجهاد، لكي يستطيع كل واحد منهم بلوغ الكمال المطلوب في التكوين. وعلى سبيل المثال فجذر النبات الذي ينشط للحصول على الغذاء والطاقة بصورة دائمة، لو ترك نشاطه، هذا وكف عن السعي لإِستحال عليه إِدامة حياته. ولذلك فإِن هذا الجذر حين يعترض طريقه مانع في عمق الأرض يحال تخطيه بثقبه، والعجيب هنا أنّ الجذور الرقيقة تعمل في مثل هذه الحالة كالمسمار الفولاذي في ثقب الموانع التي تعترضها، فلو عجزت في هذا المجال لحرفت طريقها واجتازت المانع عن طريق الإِلتفاف حوله. وفي داخل وجود الإِنسان أيضاً وحتى في ساعات النوم هناك صراع غريب ومستمر مادام الإِنسان حياً، وهو الصراع بين كريات الدم البيضاء والأجسام المعادية المهاجمة، فلو أن هذا الصراع توقف لساعة واحدة وتخلت الكريات البيض عن الدفاع، لتسلطت الجراثيم والمكروبات المتنوعة على كافة أجهزة جسم الإِنسان ولعرضت حياته إِلى الخطر. إِنّ ما هو موجود في أوساط المجتمعات والقوميّات والشعوب في العالم من كفاح من أجل البقاء، هو عين ذلك الكفاح والجهاد الذي لمسناه في النبات وفي جسم الإِنسان. وعلى هذا الأساس فإِن كل من يواصل "الجهاد" و"المراقبة" تكون الحياة من نصيبه وهو منتصر دائماً - أما الذين تلهيهم عن الجهاد الأهواء والملذات ييوالشهوات والأنانية وحبّ الذات فلن ينالهم غير الفناء والدمار عاج أو آج، وسيحل محلهم أناس يمتازون بالحيوية والنشاط والكفاح الدؤوب. وهذا هو الشيء الذي يؤكّد عليه رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إِذ يقول: "فمن ترك يالجهاد ألبسه الله ذ وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه، إنّ الله أعزّ أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها"(3). ويقول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مناسبة أُخرى: "أغزوا تورثوا أبناءكم مجداً"(4). أمّا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) فهو يقول في مستهل خطبته عن الجهاد "... فإِنّ الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنّته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثواب الذّل وشملة البلاء، وديث بالصغار والقماء... "(5). ويجب الإِلتفات إِلى أنّ الجهاد لا يقتصر معناه على الحرب أو القتال المسلح، بل هو أيضاً كل سعي حثيث وجهد جهيد يبذل من أجل التقدم نحو تحقيق الأهداف المقدسة - الإِلهية - ومن هذا المنطلق فإنّه بالإضافة إِلى الحروب الدفاعية أو الهجومية - أحياناً - فإِنّ الكفاح العلمي والمنطقي والإِقتصادي والثقافي والسياسي يعتبر نوعاً من الجهاد. 1- النساء، 47. 2- إنّ الآيات التي وردت في بيان خطورة قتل الأبرياء لها أثر يهز الإِنسان من الأعماق، وفي حديث عن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرىء مسلم" وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً:ي "لو أن رج قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب لاُشرك في دمه" من تفسير المنار، الجزء الخامس، ص 361. 3- العرض كلمة على وزن (مرض) وتعني كل شيء زائل لا دوام له، وعلى هذا الأساس فإن "عرض الحياة الدنيا" معناه رؤوس الأموال الدنيوية التي يكون مصير جميعها إِلى الزوال والفناء لا محالة. 4- وقد ورد في تفسير هذه الآية إحتمال آخر، هو أنّها تخاطب المسلمين بأنهم كان لهم نفس الحالة عند إِسلامهم، أي أنّهم أقروا بالإِسلام بألسنتهم وقبل منهم إسلامهم، وفي حين لم يكن أحد غير الله يعلم بما يخفونه في سرائرهم. 5- لقد وردت عبارة "درجة" في الآية على صيغة النكرة، وتؤكد كتب الأدب بأن النكرة في مثل هذه الحالات تأتي لبيان العظمة والأهمية - أي أن درجة المجاهدين من السمو والرفعة بحيث لا يمكن للبشر معرفتها بصورة كاملة - وهذا شبيه بالعبارة التي تطلق لبيان القيمة العظيمة لشيء يجهل قيمته البشر. ﴿دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً﴾ إبدال من أجر، قيل: القاعدون الأول الأضراء والثاني المأذون لهم في القعود اكتفاء بغيرهم وقيل المجاهدون الأول من جاهد الكفار والآخر من جاهد نفسه ﴿وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا﴾ لعباده ﴿رَّحِيمًا﴾ بهم.