لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الصفة الرابعة والخامسة للمكذبين بالدين تذكرها الآيتان الأخيرتان. (الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون). من المؤكّد أنّ أحد عوامل التظاهر والرياء عدم الإيمان بيوم القيامة، وعدم الإنشداء بطلب الثواب الإلهي. وإلاّ كيف يمكن للإنسان أن يترك مثوبة اللّه ويتجه إلى النّاس ليتزلف إليهم؟! "الماعون" من "المَعن" وهو الشيء القليل. وكثير من المفسّرين قالوا إنّ المقصود من "الماعون" الاشياء البسيطة التي يستعيرها أو يقتنيها النّاس وخاصّة الجيران من بعضهم، مثل حفنة الملح، والماء، والنّار (الثقاب)، والأواني وأمثالها. واضح أنّ الذي يبخل في إعطاء مثل هذه الاشياء إلى غيره إنسان دنيء عديم الإيمان. أي إنّه بخيل إلى درجة الإباء عن إعطاء مثل هذه الأشياء. بينما يمكن لهذه الأشياء البسيطة أن تسدّ الإحتياجات الكبيرة. ومنعها يؤدي إلى بروز مشاكل كثيرة في حياة الأفراد. وقيل: إنّ الماعون يعني الزكاة. لأنّ الزكاة تشكل نسبة قليلة من أصل المال قد تبلغ عشرة بالمائة وأحياناً خمسة بالمائة وأحياناً اثنين ونصف بالمائة. منع الزكاة طبعاً من أفظع السيئات، لأنّ الزكاة تحل كثيراً من مشاكل المجتمع الإقتصادية. عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) في تفسير الماعون قال: "هو القرض يقرضه، والمتاع يعيره، والمعروف يصنعه" (3). وفي رواية اُخرى عن الصادق (ع) فسّر الماعون بنفس المعنى السابق. فسأله سائل قال: لنا جيراناً إذا أعرناهم متاعاً كسروه وأفسدوه فعلينا جناح أن نمنعهم؟ فقال: "لا ليس عليكم جناح أن تمنعوهم إذا كانوا كذلك" (4). وفي معنى الماعون ذكرت احتمالات اُخرى ذكر القرطبي منها اثني عشر رأياً يرجع كثير منها إلى معنى مشترك والمهم ما ذكرناه أعلاه. ذكر هاتين الصفتين بشكل متوال (الرياء ومنع الماعون) كأنه إشارة إلى أن هؤلاء المكذبين بالدين يؤدون ما للّه بنية النّاس، وما للناس يمنعونه عنهم، ومن هنا لا يصيب أي ذي حقّ حقّه. مسك الختام حديث عن رسول اللّه (ص) قال: "من منع الماعون جاره منعه اللّه خيره يوم القيامة، ووكّله إلى نفسه، ومن وكّله إلى نفسه فما أسوأ حاله"؟! (5) بحثان 1 - تلخيص موضوعات سورة الماعون في هذه السّورة القصيرة، ذكر اللّه سبحانه مجموعة من الصفات الرذيلة التي إن اتصف بها شخص فهي دليل عدم إيمانه ودنائته وحقارته. ويلاحظ أنّها جميعاً فروع لظاهرة التكذيب بيوم الدين أي بيوم الجزاء. إهانة اليتامى، وترك إطعام المساكين، والتهاون في الصلاة، والرياء، وعدم التعاون مع النّاس حتى في إعارة الأشياء الصغيرة... تشكل بمجموعها طبيعة حياة هؤلاء المكذبين. من هنا فهؤلاء أناس بخلاء ذاتيون أنانيون متظاهرون لا ارتباط لهم بالخالق ولا بخلقه... أناس خلت نفوسهم من نور الإيمان والشعور بالمسؤولية، لا بثواب اللّه يفكرون، ولا من عذابه يخشون. 2 - التظاهر والرياء بلاء اجتماعي كبير قيمة كلّ عمل تتوقف على دافعه، وبالتعبير الإسلامي، أساس كلّ عمل نية عامله. الإسلام يركز على النية في تقويم الأعمال. لذلك ورد عن رسول اللّه (ص) قال: "إنّما الأعمال بالنيات، ولكل إمرىء ما نوى". وجاء في ذيل هذا الحديث: "فمن غزى ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه عزّوجلّ ومن غزى يريد عرض الدنيا أو نوى عقالاً لم يكن له إلاّ ما نوى". (1) وهذا يعود إلى أنّ النية هي التي تصوغ شكل العمل دائماً. من كان يعمل للّه جعل أساس عمله مستحكماً، وسعى بكل جهده إلى أن يستفيد منه النّاس أكثر الإستفادة. لكن المتظاهر المرائي يكتفي بزخرفة الظاهر وتنميقه من دون أن يهتم بعمق العمل وباطنه وبحاجة المحتاجين إليه. المجتمع الذي يتعود على الرياء لا يبتعد عن اللّه وعن الأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة فحسب، بل تصبح كلّ برامجه الإجتماعية فارغة خالية المحتوى، لا تتعدى مجموعة من المظاهر، وإنّها لمأساة أن يكون مصير الفرد ومصير المجتمع بهذا الشكل. الرّوايات في ذم الرياء كثيرة، بعضها وصفته بأنّه نوع من الشرك. وهنا نذكر ثلاثاً منها: 1 - عن رسول اللّه (ص) قال: "سيأتي على النّاس زمان تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربّهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يعمهم اللّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجيب لهم!" (2) 2 - وعن رسول اللّه (ص) أيضاً قال: "إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر! يا فاجر! يا غادر! يا خاسر! حبط عملك، وبطل أجرك، فلا خلاص لك فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له" (3). 3 - وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) قال مخاطباً زرارة (أحد أصحابه) : "من عمل للناس كان ثوابه على النّاس يا زرارة! كلّ رياء شرك" (4). اللّهمّ! إخلاص النيّة أمر عسير فأعنا عليه بفضلك. ربّنا! هب لنا إيماناً يجعل معيار تفكيرنا ثوابك وعقابك، ويساوي في أنظارنا بين سخط المخلوقين ورضاهم في السلوك إليك. إلهنا! اغفر برحمتك زلاتنا. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة الماعون ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ عنهم (عليهم السلام) هو الزكاة المفروضة وفي آخر هو القرض يقرضه والمعروف يضعه ومتاع البيت يعيره.