لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي آخر آية يقول اللّه سبحانه لنبيّه ردّاً على ما وَصَمه به المشركون: (إنّ شانئك هو الأبتر). "الشانيء" هو المعادي من "الشنان" - على وزن ضربان - وهو العداء والحقد. و"أبتر" في الأصل هو الحيوان المقطوع الذنب (7). وصدر هذا التعبير من أعداء الإسلام لإنتهاك الحرمة والإهانة. وكلمة (شانيء) فيها ايحاء بأنّ عدوك لا يراعي أية حرمة ولا يلتزم بأي أدب، أي أنّ عداوته مقرونة بالفظاظة والدناءة. والقرآن يقول لهؤلاء الأعداء في الواقع: إنّكم أنتم تحملون صفة الأبتر لا رسول اللّه. من جهة اُخرى، كما ذكرنا في سبب نزول السّورة، قريش كانت تترقب انتهاء الرسالة بوفاة النّبي (ص) لأنّهم كانوا يقولون: إنّ النّبي بلا عقب. والقرآن يقول للنّبي: "لست بلا عقب، بل شانئك بلا عقب". بحوث 1 - فاطمة (ع) والكوثر قلنا إنّ "الكوثر" له معنى واسع يشمل كل خير وهبه اللّه لنبيّه (ص)، ومصاديقه كثيرة، لكن كثيراً من علماء الشيعة ذهبوا إلى أنّ "فاطمة الزهراء (ع) " من أوضح مصاديق الكوثر، لأنّ رواية سبب النزول تقول: إنّ المشركين وصموا النّبي بالأبتر، أي بالشخص المعدوم العقب، وجاءت الآية لتقول: (إنّا أعطيناك الكوثر). ومن هنا نستنتج أن الخير الكثير أو الكوثر هو فاطمة الزهراء (ع)، لأن نسل الرسول (ص) انتشر في العالم بواسطة هذه البنت الكريمة... وذرية الرسول من فاطمة لم يكونوا امتداداً جسمياً للرسول (ص) فحسب، بل كانوا امتداداً رسالياً صانوا الإسلام وضحوا من أجل المحافظة عليه وكان منهم أئمّة الدين الإثني عشر، أو الخلفاء الإثني عشر بعد النّبي كما أخبر عنهم رسول اللّه (ص) في الأحاديث المتواترة بين السنة والشيعة، وكان منهم أيضاً الآلاف المؤلفة من كبار العلماء والفقهاء والمحدثين والمفسّرين وقادة الاُمّة. والفخر الرازي في استعراضه لتفاسير معنى الكوثر يقول: القول الثّالث "الكوثر" أولاده. قالوا لأنّ هذه السّورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه (ع) بعدم الأولاد فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت ثمّ العالم ممتليء منهم ولم يبق من بني اُمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثمّ أنظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا (ع) والنفس الزكية وأمثالهم (1). 2 - إعجاز السّورة هذه السّورة تتضمّن في الواقع ثلاثة من أنباء الغيب والحديث عن المستقبل. فهي أوّلاً تتحدث عن إعطاء الخير الكثير للنّبي (أعطيناك الكوثر) وهذا الفعل وإن جاء بصيغة الماضي، قد يعني المستقبل الحتمي الوقوع. وهذا الخير الكثير يشمل كلّ الإنتصارات والنجاحات التي أحرزتها الدعوة الإسلامية فيما بعد. وهي ما كانت متوقعة عند نزول السّورة في مكّة. من جهة اُخرى، السّورة تخبر النّبي بأنّه سوف لا يبقى بدون عقب، بل إنّ ذريته ستنتشر في الآفاق. ومن جهة ثالثة، تخبر السّورة بأنّ عدوّه هو الأبتر، وهذه النبوءة تحققت أيضاً، فلا أثر لعدوه اليوم، بنو اُمية وبنو العباس الذين عادوا النّبي وأبناءه كانوا ذا نسل لا يحصى عدده، ولم يبق اليوم منهم شيء يذكر. 3 - "إنّا" بصيغة الجمع، لماذا؟ يلاحظ في السّورة وفي مواضع اُخرى من القرآن أن اللّه سبحانه ذكر نفسه بصيغة الجمع (ضمير المتكلم مع الغير) : (إنا أعطيناك الكوثر). هذا التعبير لبيان عظمته جلّت قدرته. فالعظماء حين يتحدثون عن أنفسهم، فلا يعنون بشخصهم فقط بل يخبرون عمن تحت إمرتهم. وهي كناية عن القدرة والعظمة وعن وجود من يأتمر بأمرهم. الآية الكريمة مؤكّدة بحرف (إنّ) تأكيداً آخر، وعبارة "أعطيناك" تعني هبة اللّه سبحانه لنبيّه هذا الكوثر، ولم يقل آتيناك. وهذه بشارة كبيرة للنّبي تسلي قلبه أمام تخرصات الأعداء، وتثبت قدمه وتبعد الوهن عن عزيمته; وليعلم أن سنده هو اللّه مصدر كلّ خير وواهب ما عنده من خير كثير. ربّنا! لا تحرمنا ممّا أنعمت به على نبيّك من خير كثير. ربّنا! إنّك تعلم مدى حبّنا لرسولك ولذريته الطاهرة، فاحشرنا في زمرتهم. ربّنا! عظمة رسولك وعظمة رسالته لا تبلغها عظمة، اللّهمّ فزدها عزّة ومنعة وشوكة. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة الكوثر ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ المنقطع النسل والذكر لا أنت لبقاء عقبك وحسن ذكرك إلى يوم القيامة.