ولذا يقول سبحانه لنبيّه: (فصل لربّك وانحر).
نعم، واهب النعم هو سبحانه.
لذلك ليس ثمّة معنى للعبادات إن كانت لغيره.
خاصّة وإن كلمة (ربّ) تعني استمرار النعمة والتدبير والربوبية.
بعبارة اُخرى، العبادات، سواء كانت صلاة أم نحراً، تختص بالربّ وولي النعمة، وهو اللّه سبحانه وتعالى.
والأمر بالصلاة والنحر للربّ مقابل ما كان يفعله المشركون من سجودهم للأصنام ونحرهم لها، بينما كانوا يرون نعمهم من اللّه.
وتعبير (لربّك) دليل واضح على وجوب قصد القربة في العبادات.
كثير من المفسّرين يعتقدون أنّ الآية تقصد صلاة عيد الأضحى والنحر فيه.
لكن مفهوم الآية عام وواسع.
وصلاة عيد الأضحى والنحر فيه من مصاديق الآية البارزة.
عبارة "وانحر" من النحر، وهو ذبح الناقة.
وقد يكون ذلك لأهمية الناقة بين أنواع الأضاحي.
والمسلمون الأوائل كانوا يعتزون بالإبل، ونحرها يحتاج إلى إيثار كثير.
وذكر للآية المباركة تفسيران آخران.
1 - المقصود من كلمة (وانحر) أن استقبل القبلة في الصلاة.
لأنّ النحر أعلى الصدر، والعرب تستعمل الكلمة لإستقبال الشيء فيقولون: منازلنا تتناحر، أي تتقابل.
2 - المقصود رفع اليد عند النحر لدى التكبير ولذا ورد في الرّواية أنّه لما نزلت هذه السّورة قال النّبي6 لجبريل: "ما هذه النحيرة (4) التي أمرني بها ربّي؟" قال: "ليست بنحيرة، ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت، فإنّه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع.
فإن لكلّ شيء زينة، وإنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة" (5).
وروي عن الإمام الصادق (ع) في تفسير الآية أنّه أشار بيده وقال: "هكذا".
أي استقبل بيديه القبلة في افتتاح الصلاة (رفع يديه جاعلاً كفه مقابل القبلة) (6).
والتّفسير الأوّل أنسب، لأنّ المقصود هو الردّ على أعمال المشركين الذين كانوا يعبدون وينحرون لغير اللّه، ولكن لا مانع من الجمع بين هذه المعاني، خاصّة وقد وردت بشأن رفع اليد عند التكبير روايات كثيرة في كتب الشيعة والسنة.
وبذلك يكون للآية مفهوم جامع يشمل هذه المعاني أيضاً.
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ البدن أو استقبل القبلة بنحرك في الصلاة أو ارفع يديك إلى نحرك في تكبيرها.