لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
لإصراركم على المصالحة والمهادنة معي حول مسألة عبادة الأوثان فإنّه أمر محال (لكم دينكم ولي دين). ذكر سبب النزول هذا كثير من المفسّرين على اختلاف يسير بينهم في العبارات منهم الطبرسي في مجمع البيان، والقرطبي في تفسيره، وأبو الفتوح الرازي في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور. أسئلة 1ـ لماذا بدأت السّورة بفعل الأمر"قل" "قل" فعل أمر موجه من الله سبحانه لنبيه كي يبلّغ الكافرين ويقول لهم: (...يا أيّها الكافرون...) إلى آخر السّورة، فلماذا بدأ النّبي تلاوة السّورة بكلمة "قل"، وهي موجهة إليه لا إلى الكافرين؟ أما كان من الأفضل أن تبدأ السّورة بيا أيّها الكافرون...؟ الجواب يتضح لو التفتنا إلى محتوى السّورة. مشركو العرب كانوا قد دعوا رسول الله (ص) ليهادنهم بشأن الأوثان وعليه أن يرّد عليهم ويرفض الإستسلام لهم. وإذا لم يبدأ الكلام بـ "قل" يصبح الأسلوب اُسلوب خطاب طاب الله لهم. وهذا لاينسجم مع قوله: (لا أعبد ما تعبدون) وما شابهه. أضف إلى ذلك أن كلمة "قل" كانت موجودة في النص الذي جاء به جبرائيل من الله تعالى. والنّبي (ص) مكلف بالمحافظة على النص القرآني بحذافيره. وهذا يدل على أنّ النّبي (ص) وجبرائيل (ع) ليس لهما أي دور في صياغة النص القرآني وليس لهما حق أي تغيير فيه:بل يأتمران بما أمرهما الله. وهذا المعنى تؤكده الآية الكريمة: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلاّ ما يوحى إلّي) (1). 2ـ أكان عَبَدة الأصنام منكرين لله؟ نعلم أن عبدة الأصنام لم يكونوا منكرين لله سبحانه، والقرآن يؤيد ذلك في قوله سبحانه: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) (2). كيف إذن تقول الآية الكريمة: (لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد). الجواب: أن الكلام في هذه السّورة يدور حول العبادة لا الخلقة، ويتّضح أن عبدة الأصنام كانوا يعتقدون أن"الله" خالق الكون، لكنّهم كانوا يرون ضرورة"عبادة" الأصنام كي تكون واسطة بينهم وبين الله، أو لاعتقادهم بأنّهم ليسوا أهلا لعبادة الله، بل لابُدّ من عبادة أصنام جسمية، والقرآن الكريم يرد على هذه الأوهام ويقول: إن العبادة لله وحده لا للأصنام ولا لكليهما! 3ـ لِمَ هذا التكرار؟ (لا أعبد ما تعبدون... ولا أنا عابد ما عبدتم) الآيتان تكرران معنى واحداً، وهكذا (ولا أنتم عابدون ما أعبد... ولا أنتم عابدون ما أعبد) تكررت أيضاً، لماذا؟ للمفسّرين في جواب هذا السؤال آراء مختلفة. ذهب بعضهم إلى أن الهدف من التكرار التأكيد وبثّ اليأس في قلوب المشركين، وفصل المسيرة الإسلامية بشكل كامل عن مسيرتهم، وتثبيت فكرة عدم أمكان المهادنة بين التوحيد والشرك. بعبارة أخرى القرآن الكريم قابل دعوة المشركين إلى المساومة والمهادنة وإصرارهم على ذلك وتكرارهم لدعوتهم، بتكرار في الردّ عليهم. ورد أن "أبا شاكر الديصاني" وهو من زنادق عصر الإمام الصادق (ع) سأل أحد أصحاب الصادق (ع) وهو "أبو جعفر الأحول" (محمّد بن علي النعماني المعروف بمؤمن الطاق) عن سبب هذا التكرار، وهل الشخص الحكيم يرد في كلامه مثل هذا التكرار؟ أبو جعفر الأحول أعياه الجواب، فتوجه إلى المدينة، ودخل على الإمام الصادق (ع) وسأله عن ذلك، أجابه الإمام: كان سبب نزولها وتكرارها أن قريشاً قالت لرسول الله (ص) : تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فأصابهم بمثل ما قالوا فقال فيما قالوا تعبد آلهتنا سنة (قل يا أيّها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون) وفيما قالوا نعبد إلهك سنة (ولا أنتم عابدون ما أعبد) وفيما قالوا تعبد آلهتنا سنة (ولا أنا عابد ما عبدتم) وفيما قالوا نعبد إلهك سنة (ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين). ذهب أبو جعفر الأحول بالجواب إلى أبي شاكر، فلما سمعه قال: "هذا ما حمله الإبل من الحجاز" (3) ! (يشير بذلك إلى أن هذا ليس كلامك بل كلام الصادق). وقيل إن هذا التكرار يعود إلى أن الجملة الأولى تركز على الحال، والجملة الثّانية تركز على المستقبل، ويكون معنى الجملتين لا أعبد ما تعبدون في الحال والمستقبل. ولا يوجد شاهد في الآية على هذا التّفسير. ثمة تفسير ثالث لهذا التكرار هو إن الأولى تشير إلى الإختلاف في المعبود والثّانية إلى الإختلاف في العبادة. أي لا أعبد الذي تعبدون، ولا أعبد عبادتكم لأن عبادتي خالصة من الشرك ولأنها عبادة عن وعي وعن أداء للشكر لا عن تقليد أعمى (4). والظاهر أن هذا التكرار للتأكيد كما ذكرنا أعلاه، وجاءت الإشارة إليه أيضاً في حديث الإمام الصادق 7. وهناك تفسير رابع للتكرار هو إن الآية الثّانية تقول: لا أعبد ما تعبدون الآن. والآية الرابعة تقول: ما أنا عابد (في الماضي) معبودكم، فما بالكم اليوم. هذا التّفسير يستند إلى التفاوت بين فعلي الآيتين، في الثّانية الفعل مضارع "تعبدون"، وفي الآية الرابعة "عبدتم" بصيغة الماضي ونحن لا نستبعده. (5) وإن كان هذا يحل مسألة تكرار الآيتين الثّانية والرابعة، وتبقى مسألة تكرار الآيتين الثّالثة والخامسة على حالها. (6) 4 - هل الآية (لكم دينكم ولي دين) تعني جواز عبادة الأصنام؟! قد يتصور أنّ هذه الآية لها مفهوم "السلام العام" وتجيز حتى لعبدة الأصنام أن يظلوا عليها عاكفين، لأنّها لا تصرّ على قبول دين الإسلام. لكن هذا التصور فارغ لا يقوم على اساس، لحن الآيات يوضح بجلاء أنّها نوع من التحقير والتهديد، أي دعكم ودينكم فسترون قريباً وبال أمركم، تماماً مثل ما ورد في قوله تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (7). والشاهد الواضح على ذلك مئات الآيات الكريمة التي ترفض الشرك بكل ألوانه، وتعتبره عملاً لا شيء أبغض منه، وذنباً لا يغفر. وهناك إجابات اُخرى على هذا السؤال مثل تقدير محذوف وتكون العبارة: لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني. وقيل أيضاً: "الدين" هنا بمعنى الجزاء، ولا محذوف فيها ومفهومها لكم جزاؤكم ولي جزائي. (8) والتّفسير الأوّل أنسب. 5 - هل هادن الشرك يوماً؟ السّورة تطرح حقيقة التضاد والإنفصال التام بين منهج التوحيد ومنهج الشرك، وعدم وجود أي تشابه بينهما، التوحيد يشدّ الإنسان باللّه بينما الشرك يجعل الإنسان غريباً عن اللّه. التوحيد رمز الوحدة والإنسجام في جميع المجالات، والشرك مبعث التفرقة والتمزق في كلّ الشؤون. التوحيد يسمو بالإنسان على عالم المادة والطبيعة، ويربطه بما وراء الطبيعة بالوجود اللامتناهي لربّ العالمين، بينما الشرك يجعل الإنسان يرسف في أغلال الطبيعة، ويربطه بموجودات ضعيفة فانية. من هنا فالنّبي الأعظم (ص) وسائر الأنبياء الكرام لم يهادنوا الشرك لحظة واحدة، بل جعلوا مقارعته في رأس قائمة أعمالهم. السائرون على طريق اللّه من الدعاة والعلماء الإسلاميين يتحملون مسؤولية مواصلة هذه المسيرة، وعليهم أن يعلنوا براءتهم من الشرك والمشركين في كلّ مكان. هذا هو طريق الإسلام الأصيل. اللّهم! جنبنا كلّ شرك في أفكارنا وأعمالنا. ربّنا! وساوس المشركين في عصرنا خطرة أيضاً، فاحفظنا من الوقوع في حبائلهم. الهنا! مُنّ علينا بشجاعة وصراحة وحزم لنكون كما كان نبيّك (ص) رافضين لكلّ مساومة مع الكفر والكافرين والشرك والمشركين. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة الكافرون ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.