لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: عند انبلاج فجر النصر: (إذا جاء نصراللّه والفتح، ورأيت النّاس يدخلون في دين اللّه أفواجاً، فسبح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان تواباً). هذه الآيات الثلاث القصار في ألفاظها العميقة في محتواها تتضمّن مسائل دقيقة كثيرة نسلط عليها الضوء كي تساعدنا في فهم معنى السّورة. 1 - "النصر": في الآية اُضيف إلى اللّه "نصر اللّه" وفي كثير من المواضع القرآنية نجد نسبة النصر إلى اللّه. يقول سبحانه (ألا إنّ نصر اللّه قريب) (1)، ويقول: (وما النصر إلاّ من عند اللّه). (2) وهذا يعني أن النصر في أي حال لا يكون إلاّ بإرادة اللّه، نعم، لابدّ من إعداد القوّة للغلبة على العدو، لكن الإنسان الموحّد يؤمن أنّ النصر من عند اللّه وحده، ولذلك لا يغتّر بالنصر، بل يتجه إلى شكر اللّه وحمده. 2 - في هذه السّورة دار الحديث عن نصرة الله، ثمّ عن "الفتح"والإنتصار، وبعدها عن اتساع رقعة الإسلام ودخول النّاس في دين الله زرافات ووحداناً. و بين هذه الثلاثة ارتباط علة ومعلول. فبنصر الله زرافات يتحقق الفتح، وبا الفتح تزال الموانع من الطريق ويدخل النّاس في دين الله أفواجاً. بعد هذه المراحل الثلاث - التي يشكل كل منها نعمة كبرى - تحّل المرحلة الرابعة وهي مرحلة الشكر والحمد. من جهة أُخرى نصر الله، والفتح هدفهما النهائي دخول النّاس في دين الله وهداية البشرية. 3 - "الفتح" هنا مذكور بشكل مطلق، والقرائن تشير - كما ذكرنا - أنه فتح مكّة الذي كان له ذلك الصدى الواسع المذكور في الآية. "فتح مكّة" فتح في الواقع صفحة جديدة في تاريخ الإسلام، لأن مركز الشرك قد تلاشى بهذا الفتح، انهدمت الأصنام، وتبددت آمال المشركين وأزيلت السدود والموانع من طريق إيمان النّاس بالإسلام. من هنا، يجب أن نعتبر فتح مكّة بداية مرحلة تثبيت أسس الإسلام واستقراره في الجزيرة العربية ثمّ في العالم أجمع. لذلك لا نرى بعدفتح مكّة مقاومة من المشركين (سوى مرّة واحدة قمعت بسرعة) وكان النّاس بعده يفدون على النّبي من كل أنحاء الجزيرة ليعلنوا إسلامهم. 4 - في نهاية السّورة يأمر الله سبحانه نبيّه (بل كل المؤمنين) بثلاثة أُمور ليجّسد آلاء الشكر وليتخذ الموقف الإيماني المناسب من النصر الإلهي وهي :"التسبيح" و"الحمد" و"الإستغفار". "التسبيح" تنزيه الله من كل عيب ونقص. و "الحمد" لوصف الله بالصفات الكمالية. و "الإستغفار" إزاءتقصير العبد. هذا الإنتصار الكبير أدى إلى تطهير الساحة من أفكار الشرك، وإلى تجلي جمال الله وكماله أكثر من ذي قبل، وإلى اهتداء من ضلّ الطريق إلى الله. هذا الفتح العظيم أدى إلى أن لا يظن فرد بأن الله يترك انصاره وحدهم (ولذلك جاء أمر التسبيح لتنزيهه من هذا النقص) وإلى أن يعلم المؤمنون بأن وعده الحق (موصوف بهذا الكمال)، وإلى أن يعترف العباد بنقصهم أمام عظمة الله. أضف إلى ما سبق، أن الإنسان - عند النصر - قد تظهر عليه ردود فعل سلبية فيقع في الغرور والتعالي، أو يتخذ موقف الإنتقام وتصفية الحسابات الشخصية، وهذه الأوامر الثلاثة تعلمه أن يكون في لحظات النصر الحساسة ذاكراً لصفات جلال الله وجماله وأن يرى كل شيء منه سبحانه، ويتجه إلى الإستغفار كي يزول عنه غرور الغفلة ويبتعد عن الإنتقام. 5 - رسول الله (ص) مثل كل الأنبياء معصوم، فلماذا الإستغفار؟ الجواب أن هذا تعليم لكل الأمة لأنه : أوّلا: خلال أيّام المواجهة بين الإسلام والشرك مرّت فترات عصيبة على المسلمين، وتفاقمت في بعض المراحل مشاكل الدعوة، وضاقت صدور بعضهم وساور بعضهم الآخر شكوك في وعد الله. كما قال سبحانه فيهم عند غزوة "الأحزاب" : (وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) (3). والآن إذ تحقق الإنتصار فقد اتضح خطل تلك الظنون، ولابدّ من "الإستغفار" ثانياً: الإنسان لا يستطيع أن يؤدي حقّ الشكر، مهما حمد الله وأثنى عليه. ولذلك لا بدّ له بعد الحمد والثناء أن يتجه إلى استغفاره سبحانه. ثالثاً: بعد الإنتصار تبدأ عادة وساوس الشيطان، فتبرز ظاهرة الغرور تارة وظاهرة الأنتقام تارة أُخرى. ولابدّ إذن من ذكر الله واستغفاره باستمرار حتى لا تظهر هذه الحالات، ولتزول إن ظهرت. رابعاً: إعلام هذا النصر يعني انتهاء مهمّة النّبي (ص) تقريباً كما ذكرنا في بداية السّورة، وانتهاء عمره المبارك والتحاقه بالرفيق الأعلى. ولذا جاء في الرّوايات أنّ رسول الله (ص) بعد نزول هذه السّورة كان يكثر من قول: "سبحانك اللّهم وبحمدك، اللّهم اغفرلي إنّك أنت التواب الرحيم". 6 - عبارة (إنّه كان تواباً) تبيّن علّة الإستغفار. أي استغفره وتب إليه لأنّه سبحانه تواب. وقد تكون العبارة تستهدف تعليم المسلمين العفو، فكما إن الله تواب كذلك أنتم ينبغي أن تقبلوا توبة المذنبين بعد الإنتصار ما أمكنكم ذلك. وأن لا تطردوهم ما داموا منصرفين عن المخالفة والتآمر. ولذلك اتخذ رسول الله (ص) في فتح مكّة - كما سنرى - موقف الرحمة والرأفة مقابل الأعداء الحقودين. التسبيح والحمد والأستغفار دأب كل الأنبياء الكرام عند تحقق النصر. يوسف (ع) حين جلس على سرير الحكم في مصر وعاد إليه والداه واخوته بعد فراق طويل قال: (ربّ قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً والحقني بالصالحين). (4) وعندما حضر عرش ملكة سبأ أمام سليمان (ع) قال: (هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أم أكفر). (5) ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ الإسلام ﴿أَفْوَاجًا﴾ جماعات وقبائل بعد ما كان يدخل فيه واحد واحد.