لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول: عن ابن عباس قال: عندما نزلت (وانذر عشيرتك الأقربين) أمر النّبي (ص) أن ينذر عشيرته ويدعوهم إلى الإسلام (أي أن يعلن دعوته). صعد النّبي (ص) على جبل الصفا ونادى: "يا صباحاه"! (وهو نداء يطلقه العرب حين يهاجمون بغتة كي يتأهبوا للمواجهة، وإنّما اختاروا هذه الكلمة لأنّ الهجوم المباغت كان يحدث في أوّل الصبح غالباً). عندما سمع أهل مكّة هذا النداء قالوا: من المنادي؟ قيل: محمّد. فاقبلوا نحوه، وبدأ ينادي قبائل العرب باسمائها، ثمّ قال لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ مصبحكم أو ممسيكم، أما كنتم تصدقوني. قالوا: بلى. قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبولهب: تبّاً لك. لهذا دعوتنا جميعاً؟! فأنزل الله هذه السّورة. وقيل: إن امرأة أبي لهب ( واسمها أم جميل) علمت أن هذه السّورة نزلت فيها وفي زوجها. جاءت إلى النبيّ (ص) والنّبي لا يراها، حملت حجراً وقالت: سمعت أن محمّداً هجاني، قسماً لو وجدته لألقمن فمه هذا الحجر. أنا شاعرة أيضاً. ثمّ أنشدت اشعاراً في ذم النّبي والإسلام (1). خطر أبي لهب وامرأته على الإسلام لم يكن منحصراً فيما ذكرناه. وإذ نرى القرآن يحمل عليهما بشدّة ويذمهما بصراحة، فلأسباب أُخرى، سنشير إليها فيما بعد. التّفسير: (تبت يدا أبي لهب) هذه السّورة - كما ذكرنا في سبب نزولها - ترد على بذاءات أبي لهب عم النّبي (ص) وابن عبد المطلب. وكان من ألد أعداء الإسلام، وحين صدح النّبي بدعوته واعلنها على قريش وأنذرهم بالعذاب الإلهي قال:"تباً لك ألهذا دعوتنا جميعاً"؟! والقرآن يرد على هذا الإنسان البذيء ويقول له: (تبت يدا أبي لهب وتب). "التّب" و"التاب" يعني الخسران المستمر كما يقول الراغب في مفرداته أو هو الخسران المنتهي بالهلاك كما يقول الطبرسي في مجمع البيان. وبعض اللغويين قال إنّه القطع والبتر. وهذا المعنى الأخير هو النتيجة الطبيعية للخسران المستمر المنتهي بالهلاك. الهلاك والخسران في الآية يمكن أن يكون دنيوياً، ويمكن أن يكون معنوياً أخروياً، أو كليهما. وهنا يثار تساؤل بشأن سبب ذم هذا الشخص باسمه - وهو خلاف نهج القرآن - وبهذه الشدّة. يتّضح ذلك لو عرفنا مواقف أبي لهب من الدعوة. اسمه "عبد العزى" وكنيته "أبو لهب" وقيل إنّه كني بذلك لحمرة كانت في وجهه. وامرأته"أم جميل" اُخت أبي سفيان، وكانت من أشدّ النّاس عداوة وأقذعهم لساناً تجاه النّبي (ص) ودعوته. وفي الرّواية عن "طارق المحاربي" قال: بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول: "يا أيّها النّاس قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا". وإذا برجل خلفه يرميه قد أرمى ساقيه وعرقوبيه ويقول: يا أيّها النّاس إنّه كذاب فلا تصدقوه. فقلت: من هذا؟ فقالوا هو محمّد يزعم أنهّ نبيّ. وهذا عمّه أبولهب يزعم أنّه كذاب (2). وفي رواية عن " ربيعة بن عباد" قال: كنت مع أبي أنظر إلى رسول الله (ص) يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه. يقف رسول الله (ص) على القبيلة فيقول:"يا بني فلان. إنّي رسول الله إليكم. آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به". وإذا فرغ من مقالته قال: الآخر من خلفه: يا بني فلان. هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه. فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمّه أبولهب. (3) وفي رواية أُخرى: وكان من عظيم خطر أبي لهب ضد الدعوة الإسلامية أنّه كلما جاء وفد إلى النّبي (ص) يسألون عنه عمّه أبالهب - اعتباراً بكبره وقرابته وأهميته - كان يقول لهم: إنّه ساحر، فيرجعون ولا يلقونه، فأتاه وفد فقالوا: لا ننصرف حتى نراه، فقال: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتباً له وتعساً (4). من هذه الرّوايات نفهم بوضوح أن أبالهب كان يتتبع النّبي (ص) غالباً كالظلّ. وما كان يرى سبيلا لإيذائه إلاّ سلكه. وكان يقذعه بأفظع الألفاظ. ومن هنا كان أشدّ أعداء الرسول والرسالة. ولذلك جاءت هذه السّورة لتردّ على أبي لهب وامرأته بصراحة وقوّة (5). إنّه الوحيد الذي لم يوقع على ميثاق حماية بني هاشم للرسول (ص)، ووقف في صف الأعداء، واشترك في عهودهم. ﴿تَبَّتْ﴾ خسرت أو هلكت ﴿يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ أي جملته ﴿وَتَبَّ﴾ إخبار والأول دعاء فلا تكرار أو الأول إخبار عن هلاك عمله والثاني عن هلاك نفسه والتعبير بالماضي لتحققه وكذا.