الآية التالية تردّ على معتقدات اليهود والنصارى ومشركي العرب وتقول: (لم يلد ولم يولد).
إنّها ترد على المؤمنين بالتثليث (الربّ الأب، والربّ الابن، وروح القدس).
النصارى تعتقد أنّ المسيح ابن اللّه، واليهود ذهبت إلى أنّ العزير ابن اللّه: (وقالت اليهود عزير ابن اللّه وقالت النصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون) (15).
ومشركو العرب كانوا يعتقدون أنّ الملائكة بنات اللّه: (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) (16).
ويستفاد من بعض الرّوايات أن الولادة في قوله: (لم يلد ولم يولد) لها معنى واسع يشمل كلّ أنواع خروج الأشياء المادية واللطيفة منه، أو خروج ذاته المقدّسة من أشياء مادية أو لطيفة.
وفي نفس الرسالة التي كتبها الإمام الحسين بن علي (ع) إلى أهل البصرة يجيبهم عن تساؤلهم بشأن معنى الصمد قال في تفسير: (لم يلد ولم يولد) : " (لم يلد) لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شيء لطيف كالنفس، ولا يتشعب منه البداوات (الحالات المختلفة) كالسنة والنوم، والخطرة والهم، والحزن والبهجة، والضحك والبكاء، والخوف والرجاء، والرغبة والسأمة، والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف، (ولم يولد) لم يتولد من شيء، ولم يخرج من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار، ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الاُذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتمييز من القلب، وكالنّار من الحجر..." (17).
بناء على هذه الرّواية، للتولد معنى واسع يشمل خروج وتفرع كلّ شيء من شيء، وهذا في الحقيقة المعنى الثّاني للآية.
ومعناها الأوّل هو المعنى الظاهر الذي ينفي أن يكون الباري سبحانه من أب أو أن يكون له ابن أضف إلى ذلك، المعنى الثّاني قابل للفهم عند تحليل المعنى الأوّل.
لأنّ اللّه سبحانه إنّما لم يكن له ولد لأنّه منزّه عن عوارض المادة، وهذا المعنى يصدق بشأن سائر عوارض المادة الاُخرى.
﴿لَمْ يَلِدْ﴾ لامتناع مجانسته واحتياجه إلى معين وفنائه وتوريثه وهو رد على من قال عزير أو عيسى ابن الله والملائكة بناته ولعل صيغة الماضي لذلك ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ لامتناع الحدوث عليه.