(من شرّ النفاثات في العقد).
"النفاثات": من "النفث" وهو البصق القليل; ولما كان البصق مقروناً بالنفخ، فاستعملت نفث بمعنى نفخ أيضاً.
كثير من المفسّرين قالوا إنّ "النفاثات" هي النساء الساحرات.
وهي صيغة جمع للمؤنث ومبالغة من نَفثَ.
وهذه النسوة كن يقرأن الأوراد وينفخن في عقد، وبذلك يعملن السحر.
وقيل: إنّها إشارة للنساء اللاتي كن يوسوسن في أذن الرجال وخاصّة الأزواج ليثنوهم عن عزمهم وليوهنوا إرادتهم في أداء المهام الكبرى.
وما أكثر الحوادث المؤلمة التي أدت إليها وساوس أمثال هذه النسوة طوال التاريخ! وما أكثر نيران الفتنة التي أشعلتها، والعزائم التي أرختها وأوهنتها! الفخر الرازي يقول النساء يتصرفن في قلوب الرجال لنفوذ محبّتهن في قلوبهم (3).
وهذا المعنى في عصرنا أظهر من أي وقت آخر، إذ إنّ إحدى أهم وسائل نفوذ الجواسيس في أجهزة السياسة العالمية استخدام النساء، اللائي ينفثن في العقد، فتنفتح مغاليق الأسرار في القلوب ويحصلن على أدقّ الأسرار.
وقيل: إنّ النفاثات هي النفوس الشريرة، أو الجماعات المشككة التي تبعث بوساوسها عن طريق وسائل إعلامها لتوهن عزيمة الجماعات والشعوب.
ولا يستبعد أن تكون الآية ذات مفهوم عام جامع يشمل كلّ اُولئك ويشمل أيضاً النمامين والذين يهدمون بنيان المحبّة بين الأفراد.
وينبغي التأكيد على أنّ السّورة لا تتضمّن أية دلالة على أن المقصود بآياتها سحر الساحرين.
وعلى فرض أنّها تشير إلى سحر الساحرين، فإنّها لا تشكل دليلاً على صحة سبب النزول الذي ذكره المفسّرون للسورة، بل تدل على أنّ النّبي (ص) استعاذ باللّه من شرّ الساحرين.
﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ﴾ ليل شديد الظلمة ﴿إِذَا وَقَبَ﴾ دخل ظلامه وتخصيصه بهجوم البلاء فيه غالبا.