ولأنّ العناد واللامنطقية التي كان عليها أعداء الإسلام تؤلم رسول الله (ص)وتدفعه إلى أن يدعو الله عليهم، لذا فإنّه تعالى أراد أن يخفّف شيئاً من آلام رسوله الكريم، فطلب منه الصبر وذلك قوله تعالى: (فاصبر لحكم ربّك).
أي انتظر حتّى يهيء الله لك ولأعوانك أسباب النصر، ويكسر شوكة أعدائك، فلا تستعجل بعذابهم أبداً، واعلم بأنّ الله ممهلهم وغير مهملهم، وما المهلة المعطاة لهم إلاّ نوع من عذاب الإستدراج.
وبناءً على هذا فإنّ المقصود من (حكم ربّك) هو حكم الله المقرّر الأكيد حول إنتصار المسلمين.
وقيل أنّ المقصود منها هو: أن تستقيم وتصبر في طريق إبلاغ أحكام الله تعالى.
كما يوجد إحتمال آخر أيضاً وهو أنّ المقصود بالآية أنّ حكم الله إذا جاء فعليك أن تستسلم لأمره تعالى وتصبر، لأنّه سبحانه قد حكم بذلك(220).
إلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب.
ثمّ يضيف تعالى: (ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم):
والمقصود من هذا النداء هو ما ورد في قوله تعالى: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين)(221).
وبذلك فقد إعترف النبي يونس (ع) بترك الأولى، وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى.
كما يحتمل أن يكون المقصود من هذا النداء هو اللعنة التي أطلقها على قومه في ساعة غضبه.
إلاّ أنّ المفسّرين إختاروا التّفسير الأوّل لأنّ التعبير بـ "نادى" في هذه الآية يتناسب مع ما ورد في الآية (87) من سورة الأنبياء، حيث من المسلّم انّه نادى ربّه عندما كان (ع) في بطن الحوت.
"مكظوم" من مادّة (كظم) على وزن (هضم) بمعنى الحلقوم، و (كظم السقاء) بمعنى سدّ فوهة القربة بعد امتلائها، ولهذا السبب يقال للأشخاص الذين يخفون غضبهم وألمهم ويسيطرون على إنفعالاتهم ويكظمون غيظهم... بأنّهم: كاظمون، والمفرد: كاظم، ولهذا السبب يستعمل هذا المصطلح أيضاً بمعنى (الحبس).
وبناءً على ما تقدّم فيمكن أن يكون للمكظوم معنيان في الآية أعلاه: المملوء غضباً وحزناً، أو المحبوس في بطن الحوت، والمعنى الأوّل أنسب، كما ذكرنا.
﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ بإمهالهم ﴿وَلَا تَكُن﴾ في الضجر ﴿كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ يونس ﴿إِذْ نَادَى﴾ ربه ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ مملوء غيظا في بطن الحوت في قومه.