ويضيف سبحانه في الآية اللاحقة: (لولا أن تداركه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء وهو مذموم)(222).
من المعلوم أنّ يونس (ع) خرج من بطن الحوت، واُلقي في صحراء يابسة، عبّر عنها القرآن الكريم بـ (العراء) وكان هذا في وقت قَبِل الله تعالى فيه توبته وشمله برحمته، ولم يكن أبداً مستحقّاً (ع) للذمّ.
ونقرأ في قوله تعالى: (فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)(223) كي يستريح في ظلالها.
كما أنّ المقصود من (النعمة) في الآية أعلاه هو توفيق التوبة وشمول الرحمة الإلهية لحاله (ع) حسب الظاهر.
وهنا يطرح سؤالان:
الأوّل: هو ما جاء في الآيتين 143، 144 من سورة الصافات في قوله تعالى: (فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) وهذا مناف لما ورد في الآية مورد البحث.
وللجواب على هذا السؤال يمكن القول: كانت بإنتظار يونس (ع) عقوبتان: إحداهما شديدة، والاُخرى أخفّ وطأة.
الاُولى الشديدة هي أن يبقى في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، والأخفّ: هو أن يخرج من بطن الحوت وهو مذموم وبعيد عن لطف الله سبحانه، وقد كان جزاؤه (ع) الجزاء الثاني، ورفع عنه ما ألمّ به من البعد عن الألطاف الإلهية حيث شملته بركة الله عزّوجلّ ورحمته الخاصّة.
والسؤال الآخر: يتعلّق بما جاء في قوله تعالى: (فالتقمه الحوت وهو مليم)(224)وإنّ ما يستفاد من الآية مورد البحث أنّه (ع) لم يكن ملوماً ولا مذموماً.
ويتّضح الجواب على هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ الملامة كانت في الوقت الذي التقمه الحوت توّاً، وأنّ رفع المذمّة كان متعلّقاً بوقت التوبة وقبولها من قبل الله تعالى، ونجاته من بطن الحوت.
﴿لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ أدركه رحمة منه والتذكير للفصل ﴿لَنُبِذَ بِالْعَرَاء﴾ بالفضاء ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ ملوم بترك الأولى.