لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: شروط بيعة النساء: إستمراراً للبحث الذي تقدّم في الآيات السابقة والذي إستعرضت فيه أحكام النساء المهاجرات، تتحدّث هذه الآية عن تفاصيل وأحكام بيعة النساء المؤمنات مع الرّسول الأعظم (ص). لقد ذكر المفسّرون أنّ هذه الآية نزلت يوم فتح مكّة عندما كان رسول الله(ص) على جبل (الصفا) يأخذ البيعة من الرجال، وكانت نساء مكّة قد أتين إلى رسول الله من أجل البيعة فنزلت الآية أعلاه، وبيّنت كيفية البيعة معهنّ، ويختّص خطاب الآية برسول الله (ص) حيث يقول تعالى: (ياأيّها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله ...إلى قوله:...(إنّ الله غفور رحيم). وبعد هذه الآية أخذ رسول الله البيعة من النساء المؤمنات. وكتب البعض حول كيفية البيعة أنّ رسول الله (ص) أمر بإناء فيه ماء، ووضع يده المباركة فيه، ووضع النسوة أيديهنّ في الجهة الاُخرى من الإناء. وقيل إنّ رسول الله بايع النساء من فوق الملابس. وممّا يجدر ملاحظته أنّ الآية الكريمة ذكرت ستّة شروط في بيعة النساء، يجب مراعاتها وقبولها جميعاً عند البيعة وهي: 1 - ترك كلّ شرك وعبادة للأوثان، وهذا شرط أساسي في الإسلام والإيمان. 2 - إجتناب السرقة، ويحتمل أن يكون المقصود بذلك هو سرقة أموال الزوج، لأنّ الوضع المالي السيء آنذاك، وقسوة الرجل على المرأة، وإنخفاض مستوى الوعي كان سبباً في سرقة النساء لأموال أزواجهنّ، وإحتمال إعطاء هذه الأموال للمتعلّقين بهنّ. وما قصّة (هند) في بيعتها لرسول الله (ص) إلاّ شاهد على هذا المعنى، ولكن على كلّ حال فإنّ مفهوم الآية واسع. 3 - ترك التلوّث بالزنا، إذ المعروف تأريخياً أنّ الإنحراف عن جادّة العفّة كان كثيراً في عصر الجاهلية. 4 - عدم قتل الأولاد، وكان القتل يقع بطريقتين، إذ يكون بإسقاط الجنين تارةً، وبصورة الوأد تارةً اُخرى (وهي عملية دفن البنات والأولاد أحياء). 5 - إجتناب البهتان والإفتراء، وقد فسّر البعض ذلك بأنّ نساء الجاهلية كنّ يأخذن الأطفال المشكوكين من المعابر والطرق ويدّعين أنّ هذا الطفل من أزواجهنّ (وهذا الأمر محتمل في حالة الغياب الطويل للزوج). وقد اعتبر البعض ذلك إشارة إلى عمل قبيح هو من بقايا عصر الجاهلية، حيث كانت المرأة تتزوّج من رجال عدّة، وعندما يولد لها طفل تنسبه إلى أيّ كان منهم، إذا ضمنت رغبته بالطفل. ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ مسألة الزنا قد ذكرت سابقاً، ولم يكن إستمرار مثل هذا الأمر في الإسلام ممكناً، لذا فإنّ هذا التّفسير مستبعد، والتّفسير الأوّل أنسب بالرغم من سعة مفهوم الآية الشريفة الذي يشمل كلّ إفتراء وبهتان. كما أنّ التعبير بـ (بين أيديهنّ وأرجلهنّ) يمكن أن يكون إشارة إلى أطفال أبناء السبيل، حيث تكون وضعية الطفل الرضيع عند رضاعته في حضن اُمّه بين يديها ورجليها. 6 - الطاعة لأوامر رسول الله (ص) التي تبني الشخصية المسلمة وتهذّبها وتربّيها على الحقّ والخير والهدى، وهذا الحكم واسع أيضاً يشمل جميع أوامر الرّسول، بالرغم من أنّ البعض اعتبره إشارة إلى قسم من أعمال النساء في عصر الجاهلية كالنوح بصوت عال على الموتى، وتمزيق الجيوب وخمش الخدود وما شابه، إلاّ أنّ مفهوم الطاعة لا ينحصر بذلك. ويمكن أن يطرح هنا هذا السؤال وهو: لماذا كانت البيعة مع النساء مشروطة بهذه الشروط، في حين أنّ بيعة الرجال لم تكن مشروطة إلاّ بالإيمان والجهاد؟ وللإجابة على ذلك نقول: إنّ الاُمور الأساسية المتعلّقة بالرجال في ذلك المحيط هو الإيمان والجهاد، ولأنّ الجهاد لم يكن مشروعاً بالنسبة للنساء لذا ذكرت شروط اُخرى أهمّها ما أكّدت عليه الآية الشريفة والتي تؤكّد على صيانة المرأة من الإنحراف في ذلك المجتمع. بحوث 1 - إرتباط بيعة النساء ببناء شخصيتهنّ الإسلامية لقد ذكرنا في تفسير سورة الفتح - في نهاية الآية (18) - بحثاً مفصّلا حول البيعة وشروطها وخصوصياتها في الإسلام، لذا لا ضرورة لتكرار ذلك(1). وممّا يجدر التذكير به هنا أنّ مسألة بيعة النساء للرسول (ص) كانت بشروط بنّاءة ومربّية كما نصّت عليها الآية أعلاه. إنّ هذه النقطة على خلاف ما يقوله الجهلة والمغرضون في أنّ الإسلام حرم المرأة من الإحترام والقيمة والمكانة التي تستحقّها، فإنّ هذه الآية أكّدت على الإهتمام بالمرأة في أهمّ المسائل ومن ضمنها موضوع البيعة سواء كانت في الحديبية في العام السادس للهجرة أو في فتح مكّة، وبذلك دخلن العهد الإلهي مع الرجال وتقبّلن شروطاً إضافية تعبّر عن الهوية الإنسانية للمرأة الملتزمة تنقذها من شرور الجاهلية، سواء القديمة منها أو الجديدة، حيث تتعامل معها كمتاع بخس رخيص، ووسيلة لإشباع شهوة الرجال ليس إلاّ. 2 - قصّة بيعة (هند) زوجة أبي سفيان عندما منّ الله على المسلمين بفتح مكّة، وجاءت النساء لبيعة الرّسول الأعظم(ص) وكانت "هند" زوجة أبي سفيان من ضمن النساء اللواتي جئن لبيعة الرّسول أيضاً. هذه المرأة التي ينقل عنها التاريخ قصصاً مثيرة في ممارساتها الإجرامية، وما قصّة فعلها بحمزة سيّد الشهداء في غزوة اُحد، ذلك العمل الإجرامي القبيح، إلاّ مفردة واحدة من الصور السوداء لهذه المرأة المشينة. وبالرغم من أنّ الظروف قد إضطّرتها إلى الإنحناء أمام عظمة الإسلام فأعلنت إسلامها ظاهرياً، إلاّ أنّ قصّة بيعتها تعكس أنّها في الواقع كانت وفّية لما إرتبطت به من عقائد جاهلية سابقة، لذا فليس عجباً ما إرتكبه آل اُميّة وأبناؤهم بحقّ آل الرّسول، بصورة لم يكن لها مثيل. وعلى كلّ حال، فقد كتب المفسّرون في قصّة بيعة هند: "روي أنّ النبي بايعهنّ وكان على الصفا، وهند بنت عتبة متنقّبة متنكّرة خوفاً من أن يعرفها رسول الله، فقال أُبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فقالت هند: انّك لتأخذ علينا أمراً ما أخذته على الرجال. وذلك انّه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط، فقال رسول الله: ولا تسرقن. فقالت هند: إنّ أبا سفيان ممسك وانّي أصبت من ماله هنات فلا أدري أيحلّ لي أمّ لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من مالي فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال... فضحك رسول الله وعرفها فقال لها: وانّك هند بنت عتبة، فقالت: نعم فاعف عمّا سلف يانبي الله عفا الله عنك. فقال: ولا تزنين. فقالت هند: أو تزني الحرّة، فتبسّم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية، فقال(ص): " ولا تقتلن أولادكن، فقالت هند: ربّيناهم صغاراً وقتلوهم كباراً وأنتم وهم أعلم. وكان إبنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب (ع) يوم بدر. وقال النبي: ولا تأتين ببهتان قالت هند: والله إنّ البهتان قبيح وما تأمرنا إلاّ بالرشد ومكارم الأخلاق، ولمّا قال: ولا يعصينك في معروف قالت هند: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء"(2). 3 - الطاعة بالمعروف إنّ من جملة النقاط الرائعة المستفادة من الآية أعلاه هو تقييد طاعة الرّسول بالمعروف، مع أنّ الرّسول (ص) معصوم، ولا يأمر بالمنكر أبداً، وهذا التعبير الرائع يدلّل على أمر في غاية السمو، وهو أنّ الأوامر التي تصدر من القادة الإسلاميين - مع كونهم يمثّلون القدوة والنموذج - لن تكون قابلة للتنفيذ ومحترمة إلاّ إذا كانت منسجمة مع التعاليم القرآنية واُصول الشريعة وعندئذ تكون مصداقاً (لا يعصينك في معروف). وكم هي الفاصلة بعيدة بين الأشخاص الذين يعتبرون أوامر القادة واجبة الطاعة، مهما كانت ومن أي شخص صدرت، ممّا لا ينسجم مع العقل ولا مع حكم الشرع والقرآن، وبين التأكيد على إطاعة المعصوم وعدم المعصية في معروف؟! وقال أمير المؤمنين (ع) في رسالته المشهورة التي أرسلها لأهل مصر حول ولاية مالك الأشتر، ومع كلّ تلك الصفات المتميّزة فيه: "فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ فإنّه سيف من سيوف الله"(3). ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ لما بايعه الرجال يوم الفتح جاء النساء يبايعنه فنزلت ﴿وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ وهو أن يلحقن بأزواجهن غير أولادهن من اللقطاء ووصف بوصف ولدها الحقيقي أنه إذا ولد سقط بين يديها ورجليها وقيل هو الكذب والنميمة وقذف المحصنة ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ هو فعل الحسن وترك القبيح ﴿فَبَايِعْهُنَّ﴾ على ذلك ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ للمؤمنين والمؤمنات.