﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ توبيخ وتعجيب من حالهم والبر يعم كل خير ﴿وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ تتركونها ﴿وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ التوراة وفيها الوعيد على ترك البر ومخالفة القول للعمل ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ قبح ذلك فيمنعكم منه نزلت في علماء اليهود ورؤسائهم ويعم كل من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره.
﴿أَتَاْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾؟!
هذا السّؤال الإِستنكاري - وإن كان موجهاً إلى بني إسرائيل كما يتبين من سياق الآيات السابقة والتالية - له حتماً مفهوم واسع يشمل الآخرين أيضاً.
قال «الطّبرسي(رحمه الله)» في «مجمع البيان»: هذه الآية خطاب لعلماء اليهود.
وبّخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر النّاس بالإِيمان بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وترك أنفسهم في ذلك.
وقال أيضاً: كان علماء اليهود يقولون لأقربائهم من المسلمين اثبتوا على ما أنتم عليه ولا يؤمنون هم.
لذلك كانت الآية الاُولى من الآيات التي يدور حولها بحثنا تحمل توبيخاً لهذا العمل: ﴿أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾؟!
يمنهج الدعاة إلى الله يقول على أساس العمل أوّ ثم القول.
فالدّاعية إلى الله يبلّغ بعمله قبل قوله، كما جاء في الحديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «كُونُوا دُعَاةَ النَّاسِ بِأَعْمَالِكُمْ وَلاَ تَكُونُوا دُعَاةً بِأَلْسِنَتِكُمْ».
التأثير العميق للدعوة العملية يأتي من قدرة مثل هذه الدعوة على فتح منافذ قلب السامع، فالسامع يثق بما يقوله الداعية العامل، ويرى أن هذا الداعية مؤمن بما يقول وأن ما يقوله صادر عن القلب.
والكلام الصادر عن القلب ينفذ إلى القلب.
وأفضل دليل على إيمان القائل بما يقوله، هو العمل بقوله قبل غيره، كما يقول علي (عليه السلام) : «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَاللهِ مَا أَحُثُّكُمْ على طَاعَة إِلاَّ وأَسْبِقُكُمْ إلَيْهَا، وَلاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَة إِلاَّ وَأَتَنَاهَىْ قَبْلَكُمْ عَنْهَا».
وفي حديث عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً ييَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْ وَعَمِلَ بِغَيْرِهِ».
علماء اليهود كانوا يخشون من انهيار مراكز قدرتهم وتفرّق عامة النّاس عنهم، إن اعترفوا برسالة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولذلك حرّفوا ما ورد بشأن صفات نبي الإِسلام في التوراة.