﴿وَإِلَهُكُمْ﴾ المستحق للعبادة ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ لا شريك له في الإلهية ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ تقرير لوحدانيته بنفي غيره وإثباته ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ المولى لجميع النعم أصولها وفروعها.
ولما كان التوحيد ينهي كل هذه المصائب، فالآية الثالثة تطرح هذا الأصل وتقول: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾.
ثم تؤكد هذا الأصل وتقول: (لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ).
بعد ذلك تصف الآية الله بأنه ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ لتقول إن الله الذي تشمل رحمته العامة كل الموجودات، ورحمته الخاصة المؤمنين، هو اللائق بالعبودية لا الموجودات المحتاجة.
بحوث
1 - يوضح القرآن في مواضع متعدّدة، أن الذين ماتوا على كفرهم لا نجاة لهم، وهذا أمر طبيعي، لأن سعادة الحياة الآخرة وشقاءها نتيجة مباشرة لما ادّخره الإنسان من أعمال في هذه الحياة.
ومن أحرق جناحيه في الحياة الدنيا بنار الكفر والإنحراف لا يستطيع طبعاً أن يحلّق في الآخرة، ولابدّ من سقوطه في درك الجحيم.
وواضح أيضاً أن هذا الفرد سيبقى على وضعه هذا في عالم الآخرة، لأن ذلك العالم ليس عالم الحصول على وسيلة.
هذا يشبه إنساناً فقد عينيه بسبب جنوحه واتباعهالشهوات والاهواء عالماً عامداً، فلابدّ له أن يعيش أعمى طول حياته.
وبديهي أن هذا مصير الكافرين الذين سلكوا طريق الكفر عن علم وعمد.
(وسنوضح مسألة الخلود أكثر في تفسير الآيتين 107 و108 من سورة هود، في المجلد السابع من هذا التّفسير).
2 - الآية الثالثة في بحثنا هذا تبين أحدية الله بشكل ينفي كل شرك وإنحراف.
قد نرى أحياناً موجودات منفردة في صفة من صفاتها، لكن هذه الموجودات تتفرد في صفة أو عدّة صفات.
أمّا الله فهو أحد في ذاته، وأحد في صفاته، وأحد يفي أفعاله، أحديته لا تقبل التعدد عق، إنه أحد أزلي وأبدي لا تؤثر الحوادث على أحديته.
إنه أحد في الذهن وخارج الذهن.
إنه أحد في أحديته!
3 - ألا يكفي لعن الله؟! الآية أعلاه ذكرت أن الذين ماتوا وهم كفار، مشمولون بلعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين.
وهنا قد يسأل سائل: أليست لعنة الله كافية؟
الجواب واضح، فلعنة الملائكة والنّاس زيدت على لعنة الله للتأكيد، ولبيان كراهة النّاس لمثل هؤلاء المذنبين.
ولو قيل لِمَ ذكرت الآية ﴿النّاس﴾ بشكل عام، بينما يوجد بين النّاس من هم شركاء في الجريمة، وهؤلاء لا يلعنون أولئك المجرمين؟
يوالجواب: إن هؤلاء أيضاً كارهون لأعمال أولئك، فهؤلاء يكرهون مث كتمان الحقائق عنهم، ويلعنون من يستر عنهم الحقيقة، لكنهم يفعلون هم أيضاً هذه السيئة إن اقتضت مصلحتهم ذلك. الآية 164