سبب النّزول
ذكر بعض المفسرين العظام رواية عن الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) : في سبب نزول هذه الآية قال: «كَانَ حَيُّ بن أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ أَشْرَفَ وَآخَرُونَ مِنَ الْيَهُودِ، لَهُمْ مَأْكَلَة عَلَى الْيَهُودِ في كُلِّ سَنَة، فَكَرِهُوا بُطْلاَنَهَا بِأَمْرِ النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فَحَرَّفُوا لِذَلِكَ آيَات مِنَ التَّوْرَاةِ فِيهَا صِفَتُهُ وَذِكْرُهُ فَذَلِكَ الَّثمَنُ الَّذي أُرِيدَ فِي الاْيَةِ».
التّفسير
جشع اليهود:
الآيات المذكورة أعلاه تتطرق إلى تسعة من بنود العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل.
يقول تعالى: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُم﴾، فالقرآن مصدق لما مع اليهود من كتاب.
أي أن البشائر التي زفتها التوراة والكتب السماوية الاُخرى بشأن النّبي الخاتم، والأوصاف التي ذكرتها لهذا النّبي والكتاب السماوي تنطبق على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعلى القرآن المنزل عليه.
فلماذا لا تؤمنون به؟!
ثمّ يقول سبحانه: ﴿وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِر بِهِ﴾ أي - لا عجب أن يكون المشركون والوثنيون في مكة - كفّاراً بالرسالة، بل العجب في كفركم، بل في كونكم روّاداً للكفر، وسباقين للمعارضة.
لأنكم أهل الكتاب، وكتابكم يحمل بشائر ظهور هذا النّبي، وكنتم لذلك تترقبون ظهوره.
فما عدى ممّا بدا؟ ولماذا كنتم أول كافر به؟!.
إنه تعنتهم الذي لولاه لكانوا أول المؤمنين برسالة النّبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم).
المقطع الثالث من الآية يقول: ﴿وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِي﴾.
يآيات الله، لا ينبغي - دون شك - معاوضتها، بأي ثمن، قلي كان أم كثيراً.
وفي تعبير هذه الآية إشارة إلى دناءة هذه المجموعة من اليهود، التي تنسى كل إلتزاماتها من أجل مصالحها التافهة.
هذه الفئة، التي كانت قبل البعثة من المبشرين بظهور نبي الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبكتابه السماوي، أنكرت بشارات التوراة وحرفتها، حين رأت مصالحها معرضة للخطر، وعلمت أن مكانتها الإِجتماعية معرضة للإنهيار عند انكشاف الحقيقة للناس.
في الواقع، لو اُعطيت الدنيا بأجمعها لشخص ثمناً لإِنكار آية واحدة من يآيات اللّه، لكان ثمناً قلي، لأنّ هذه الحياة فانية، والحياة الاُخرى هي دار البقاء والخلود.
فما بالك بإنسان يفرّط بهذه الآيات الإِلهية في سبيل مصالحه التافهة؟!
في المقطع الرابع تقول الآية: ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾، والخطاب موجّه إلى زعماء اليهود الذين يخشون أن ينقطع رزقهم، وأن يثور المتعصبون اليهود ضدّهم، وتطلب منهم أن يخشوا الله وحده، أي أن يخشوا عصيان أوامره سبحانه.
﴿وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ﴾ على محمد ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ﴾ فإنه مماثل ما في كتابكم أو مطابقا لها في الدعاء إلى التوحيد والإقرار بمحمد والأمر بالعبادة وغير ذلك ﴿وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ والواجب أن تكونوا أول مؤمن به لعلمكم بشأنه ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي﴾ بتحريف آيات من التوراة فيها صفة محمد ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عوضا يسيرا من الدنيا ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ في كتمان أمر محمد.