أمّا الآية الأُخرى فهي تأمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بطلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى، إِذ تقول: (واستغفر الله إِن الله كان غفوراً رحيماً).
وحول سبب الإِستغفار المطلوب في هذه الآية توجد احتمالات عديدة، هي:
الأوّل: إِنّ الإِستغفار هو لترك الأولى الذي حصل بسبب الإِستعجال في الحكم في القضية التي نزلت بسببها الآيتان، أي مع أنّ ذلك القدر من الإِعتراف، وشهادة الطرفين كان كافياً لإِصدار الحكم من قبل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إِلاّ أنّه كان الأحرى أن يجري تحقيق أكثر في ذلك المجال.
والثّاني: هو أنّ النّبي قد حكم في تلك القضية وفقاً لقوانين القضاء الإِسلامي، وبما أنّ الأدلة التي جاء بها الخائنون كانت بحسب الظاهر أقوى، لذلك أعطى الحق لهم، وبعد انكشاف الحقيقة ووصول الحق إِلى صاحبه يأتي الأمر بطلب المغفرة من الله، ليس لذنب مرتكب، بل لتعرض حق فرد مسلم إِلى خطر الزوال بسبب خيانة البعض من الأشخاص (أي أن الإِستغفار بحسب الإِصطلاح - لأجل الحكم الحقيقي لا الحكم الظاهري).
وقد احتمل البعض أن يكون الإِستغفار مطلوباً من طرفي الدعوى اللذين ظهر منهما الخلاف في عرض ومتابعة دعواهما.
وفي حديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "إِنّما أنا بشر، وإِنّكم تختصمون إِليّ ولعل بعضكم يكون الحن بحجته من بعض، فأقضي بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإِنّما أقطع له قطعة من نار"(1).
يتبيّن لنا من هذا الحديث أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكلّف بالحكم وفقاً لظاهر القضية واستناداً إِلى أدلة طرفي الدعوى، وبديهي أن الحق في مثل هذه الحالة يصل إِلى صاحبه، ويحتمل أحياناً أن لا ينطبق ظاهر الدليل وشهادة الشهود مع الحقيقة، فيجب الإِنتباه هنا إِلى أنّ حكم الحاكم لا يغير من الحقيقة شيئاً فلا يصبح الحق يباط ولا الباطل حقاً.
﴿وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.