التّفسير
بعد الآيات التي جاءت بتحريم الدّفاع عن الخائنين، تستطرد الآيات الثلاث الأخيرة في التشديد على حرمة الدفاع عن الخائنين، بالأخص اُولئك الذين يخونون أنفسهم.
ويجب الإِنتباه هنا إِلى أن الآية (107) تشير إِلى الذين يخونون أنفسهم، بينما الذي عرفنا من سبب نزول الآيات السابقة، هو أنّها نزلت في شأن الذين يخونون الغير، وفي هذا إِشارة إِلى ذلك المعنى الدقيق الذي ينبه إِليه القرآن في العديد من الآيات، وهو أن أي عمل يصدر عن الإِنسان يتأثر بنتيجته - سواء كانت حسنة أو سيئة - الإِنسان ذاته قبل غيره، كما جاء في الآية (رقم 7) من سورة الإِسراء، إِذ تقول (إنْ أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإِنْ أسأتم فلها).
أو أنّ الآية المذكورة تشير إِلى موضوع آخر أكّد عليه القرآن أيضاً، وهو أن جميع أفراد البشر هم جميعاً كأعضاء جسد واحد، فإِذا أضر أحدهم بغيره فكأنما أضرّ بنفسه، أي يكون بالضبط كالذي يصنع نفسه بنفسه.
والأمر الآخر في الآية أنّها لا تخص الذين يرتكبون الخيانة لمرّة واحدة ثمّ يندمون على ما فعلوا، حيث لا ضرورة لإِستعمال العنف والشدة مع هؤلاء، بل هم بحاجة إِلى الرأفة أكثر، والشدّة يجب أن تطبق على اُولئك الذين يحترفون الخيانة وتكون جزءاً من حياتهم.
ويدل على هذه القرينة الواردة في الآية من خلال عبارة (يختانون) التي هي فعل مضارع يدل على الإِستمرارية، بالإِضافة إِلى القرينة الأخرى التي تفهم من عبارتي (خوان) أي كثير الخيانة و(أثيم) أي كثير الذّنب، والكلمة الأخيرة جاءت لتأكيد عبارة "خوان" في الآية، كما أنّ الآية السابقة جاءت بكلمة "خائن" التي هي اسم فاعل والتي لها معنى وصفي يدل على تكرار الفعل.
﴿وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ يخونونها بالمعصية إذ وبال خيانتهم عليها ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ كثير الخيانة والإثم مصرا عليهما.