في الآية الأخيرة - مورد البحث - يشير تعالى إلى القرآن فيقول: جعلنا هذه الآيات بينهم بصور مختلفة ومؤثرة ليتذكروا وليتعرفوا من خلاله على قدرة الخالق، لكن كثيراً من الناس لم يتخذوا موقفاً إزاء ذلك إلاّ الإنكار والكفران: (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلاّ كفوراً).
وإن أرجع كثير من المفسّرين مثل العلامة الطبرسي في تفسيره، والشيخ الطوسي في تفسير التبيان، والعلامة الطباطبائي في تفسير الميزان وآخرين، الضمير في جملة "صرفناه" إلى المطر، حيث يكون مفهومها هكذا: أنزلنا المطر في جهات ومناطق مختلفة من الأرض، ووزعناه بين الناس ليتذكروا هذه النعمة العظمى.
لكن الحق أن هذا الضمير يرجع إلى القرآن وآياته، لأن هذا التعبير (بصيغة الفعل الماضي والمضارع) ورد في عشرة مواضع من القرآن المجيد، حيث أُرجع في تسعة مواضع إلى آيات القرآن وبياناته صراحة، وأُتبع بجملة "ليذكروا" أو ما يشابهها في موارد متعددة. على هذا فمن البعيد جداً أن يأخذ هذا التعبير مفهوماً آخر في هذا المورد الواحد.
و من حيث الأصل فإنّ "تصريف" التي هي بمعنى التحويل من حال إلى حال، ليس لها تناسب كثير مع نزول المطر، في وقت هي أكثر تناسباً مع آيات القرآن التي تأتي في انحاء مختلفة، أحياناً بصورة وعد، وأحياناً بصورة أمر، وأُخرى بصورة نهي، وأحياناً بصورة قصص الماضين.
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ﴾ أي المطر ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بين الناس في البلدان والأوقات والصفات من وابل وطل وغيرهما أو صرفنا ما ذكر من الدلائل في القرآن وسائر الكتب ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ ليتفكروا فيعرفوا سعة القدرة وحق النعمة به ويشكروا ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ جحودا للنعمة فيقولون أمطرنا بنوء كذا.