لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير في هذه الآية الكريمة إِشارة أُخرى إِلى حادثة "بني الأبيرق" التي تحدثنا عنها لدى تطرقنا إِلى سبب النزول في آيات سابقة، وهذه تؤكد أن الله قد صان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفضله ورحمته - سبحانه وتعالى - من كيد بعض المنافقين الذين كانوا يأتمرون به (صلى الله عليه وآله وسلم) ليحرفوه عن طريق الحق والعدل، فكانت رحمة الله أقرب إِلى نبيّه فصانته من كيد المنافقين، حيث تقول الآية: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك). لقد سعى اُولئك المنافقون - من خلال اتهامهم لشخص بريء وجرّ النّبي وتوريطه في هذه الحادثة - إِلى إِلحاق ضربة بشخصية النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإِجتماعية يوالمعنوية أوّ، وتحقيق مآربهم الدنيئة بحق إِنسان مسلم بريء ثانياً، ولكنّ الله العزيز العليم كان لهم بالمرصاد، فصان نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من تلك المؤامرة وأحبط عمل المنافقين. ويذكر بعض المفسّرين سبباً آخر لنزول هذه الآية وهو أنّ جماعة من قبيلة "بني ثقيف" وردوا على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكروا له أنّهم مستعدون لمبايعته بشرطين: الأوّل هو أن يرغم أفراد هذه القبيلة على كسر أصنامهم بأيديهم، والثّاني أن يسمح النّبي لهم بأن يواصلوا عبادة صنمهم (العزى) لسنة واحدة أُخرى! فنزل أمر الله على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يبدي أية مرونة أمام هؤلاء، حيث نزلت الآية المذكورة واعلنت بأن فضل الله ورحمته قد شملت النّبي وصانته من تلك الوساوس. بعد ذلك تذكر الآية أن هؤلاء القوم إِنّما يرمون بأنفسهم في الضلالة ولا يضرّون بعملهم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً، إِذ تقول... (وما يضلّون إِلاّ أنفسهم وما يضرونك من شيء...). وأخيراً توضح الآية سبب عصمة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الخطأ والزلل والذنب، فتذكر أنّ الله أنزل على نبيّه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم من قبل: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم...) ثمّ تردف الآية ذلك بجملة: (وكان فضل الله عليك عظيماً). مصدر عصمة الأنبياء!: إِنّ هذه الآية الأخيرة من الآيات التي تشير إِلى عصمة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ارتكاب الخطأ والسهو والذنب، فتقول بأنّ العون الإِلهي الذي شمل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي صانه من الخطأ والضلالة التي كان يريد المنافقون أن يوقعوه فيهما، ولكنّهم وبفضل هذه المعونة الإِلهية عجزوا عن تحقيق مآربهم، ولم يلحق النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي ضرر نتيجة كيد المنافقين. وهكذا فقد عصم الله نبيّه وصانه من كل خطأ أو سهو أو ذنب، كي يستطيع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصبح قدوة وأسوة للاُمّة الإِسلامية ونبراساً لها في فعل الخيرات والحسنات، وقد صانه الله العزيز القدير من عواقب كل خطأ يحتمل أن يقع فيه أي زعيم، لكي يبعد الأُمّة الإِسلامية عن الحيرة في قضية إِطاعة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وليجنبها التناقض بين فعلي الطاعة وعدمها، نعم لقد عصم الله نبيّه محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) من كل خطأ، لكي يضمن له ثقة المسلمين الكاملة به، حيث تعتبر هذه الثقة من أولويات شروط الزعامة الإِلهية. وقد ورد في آخر الآية دليل من الأدلة الأساسية لقضية العصمة بشكل مجمل، وهذا الدليل هو قوله تعالى أنّه علم نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من العلوم والمعارف التي يكون النّبي في ظلها مصوناً من الوقوع في أي خطأ أو زلل، ولأنّ العلم والمعرفة تكون نتيجتهما في المرحلة النهائية حفظ الإِنسان من ارتكاب الخطأ. يفالطبيب - مث - لا يقدم أبداً على شرب ماء ملوث بأنواع الجراثيم الفتاكة، بعد أن أجرى عليه الفحوصات المختبرية واكتشف تلوثه بتلك الجراثيم الخطيرة. نستنتج من هذا المثل أنّ علم الطب الذي تعلمه هذا الطبيب، هو السبب في حفظه ومنعه من شرب الماء الملوث بالجراثيم القاتلة، فقد وفّر هذا العلم العصمة والمصونة للطبيب حيال ارتكاب مثل هذا الخطأ، لكن الإِنسان الذي يجهل خطورة ذلك الماء يحتمل كثيراً أن يقدم على شربه. وهكذا يتبيّن أنّ مصدر الكثير من الأخطاء هو الجهل بمقدمات العمل أو مستلزماته أو عواقبه، لذلك فإِنّ من يحاط عن طريق الوحي الإِلهي إحاطة كاملة بالقضايا المختلفة ومقدماتها ومستلزماتها وعواقبها لن يقع في خطأ، ولن يرتكب أي زلل أبداً، ولن يضل الطريق، ولن يمارس ذنباً مطلقاً. ويجب أن لا نقع في الوهم هنا، فإِنّ هذا العلم الذي بحوزة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من يجانب الله سبحانه وتعالى ليس عم مفروضاً ولا يحمل طابع القسر والإِجبار، أي أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مجبوراً أبداً على أن يعمل بعلمه، بل أنّه يمارس عمله بكامل اختياره، فكما أنّ الطبيب الذي ذكرناه في مثلنا السابق مع علمه بحالة الماء الملوث فإِنّه ليس مرغماً على عدم شرب هذا الماء، بل هو بإرادته المطلقه يمتنع عن شربه. وإِذا تساءل أحد: لماذا شمل الله نبيّه وحده بهذا الفضل الإِلهي، ولم يشمل الآخرين؟ كان الجواب: إنّ ذلك قد حدث للمسؤولية العظيمة والخطيرة التي تتضمنها القيادة التي أُنيطت بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحمل اعباءها الثقيلة على عاتقه، ولأن الآخرين لا يحملون مثل هذه الأعباء الثقيلة، لذلك فإِن الله اللطيف الخبير يهب لعبده من القدرة والطاقة بمقدار ما يضع على عاتق هذا العبد من مسؤوليات، ولن يكلف الله نفساً إِلاّ وسعها فيجب التعمق في هذا الأمر. ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ﴾ بالنبوة أو الصيانة ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ بالعصمة أو إعلامك سرهم الوحي ﴿لَهَمَّت﴾ أضمرت ﴿طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ﴾ من بني ظفر ﴿أَن يُضِلُّوكَ﴾ عن الحكم بالحق ولم يرد نفي همتهم بل نفي تأثيره فيه ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ﴾ يعود وبالهم عليهم ﴿وَمَا يَضُرُّونَكَ﴾ لأن الله عاصمك ومسددك ﴿مِن شَيْءٍ﴾ في محل المصدر أي شيئا من الضرر ﴿وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ القرآن والأحكام ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ من الشرائع وخفيات الأمور ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ إذ ختم بك النبوة.