مثابرون صابرون ذوو همّة، ومقاومون عند مواجهتهم الحوادث في مسيرة إطاعتهم لله وتجنّبهم المعاصي، وعند ابتلائهم بالشدائد الفردية والإجتماعية (الصابرين).
صادقون ومستقيمون، وما يعتقدون به في الباطن يعملون به في الظاهر، ويتجنّبون النفاق والكذب والخيانة والتلوّث (والصادقين).
في طريق العبودية لله خاضعون ومتواضعون ومواظبون على ذلك (والقانتين)(1).
لاينفقون من أموالهم فحسب، بل ينفقون من جميع ما لديهم من النِعم المادّية والمعنوية في سبيل الله، فيعالجون بذلك أدواء المجتمع (والمنفقين).
في أواخر الليل وعند السحر، أي عندما يسود الهدوء والصفاء وحين يغطّ الغافلون في نوم عميق وتهدأ ضوضاء العالم المادّي، يقوم ذوو القلوب الحيّة اليقظة، ويذكرون الله ويطلبون المغفرة منه وهم ذائبون في نور الله وجلاله، وتلهج كلّ ذرّة من وجودهم بتوحيده سبحانه (والمستغفرين بالأسحار).
بحوث
1- في تفسير هذه الآية، روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: "من قال في آخر صلاة الوتر في السحر "استغفر الله وأتوب إليه" سبعين مرّة، وداوم على ذلك سنة كتبه الله من المستغفرين بالأسحار"(2).
2- "السحر" في أصل اللغة هو "التغطية والإخفاء".
ولمّا كانت ساعات الليل الأخيرة تغطّي كلّ شيء بستار خاصّ، فقد سمّيت بالسحر.
و"السحر"- بكسر السين- من المادّة نفسها، لأنّ الساحر يقوم بأعمال تخفى أسرارها على الآخرين.
وقد يطلق العرب اسم "السحر"- بوزن البشر- على الرئة لإختفاء ما فيها.
لماذا يشار إلى السحر من بين جميع ساعات الليل والنهار، مع أنّ الاستغفار وذكر الله مطلوبان في كلّ وقت؟ السبب هو ما تتميّز به ساعات السحر من هدوء وسكون وابتعاد عن الأعمال المادّية، وللنشاط الذي يشعر به المرء بعد استراحته ونومه، فيكون أكثر استعداداً للتوجّه إلى الله.
وهذا ما يسهل دركه بالتجربة، حتّى أنّ بعض العلماء يستثمرون وقت السحر لحلّ المسائل العلمية، إذا أنّ سراج الفكر وروح الإنسان أكثر تلألؤاً وسطوعاً في ذلك الوقت من أيّ وقت آخر.
ولمّا كانت روح العبادة والاستغفار هي التوجّه وحضور القلب، فإنّ العبادة والاستغفار في هذا الوقت أسمى من أيّ وقت آخر.
﴿الصَّابِرِينَ﴾ على الطاعة والبلاء عن المعاصي ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ﴾ المطيعين ﴿وَالْمُنفِقِينَ﴾ أموالهم في سبيل الله ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار﴾ عن الصادق (عليه السلام) من استغفر الله سبعين مرة في السحر فهو من أهل هذه الآية.