وفي الآية الثانية شرح سبب عصيانهم وتمردّهم، وهو أنّهم كانوا يحملون فكرة خاطئة عن كونهم من عنصر ممتاز، وهم اليوم أيضاً يحملون هذه الفكرة الباطلة الواضحة في كتاباتهم الدالّة على الاستعلاء العنصري.
كانوا يظنّون أنّ لهم علاقة خاصّة بالله سبحانه، حتّى أنّهم سمّوا أنفسهم "أبناء الله" كما ينقل القرآن ذلك على لسان اليهود والنصارى في الآية 18 من سورة المائدة قولهم: (نحن أبناء الله وأحبّاؤه).
وبناءاً على ذلك كانوا يرون لأنفسهم حصانة تجاه العقوبات الربّانية، وكانوا ينسبون ذلك إلى الله نفسه.
لذلك كانوا يعتقدون أنّهم لن يعاقَبوا على ذنوبهم يوم القيامة إلاَّ لأيّام معدودات: (قالوا لن تمسّنا النار إلاَّ أيّاماً معدودات).
ولعلّ القصد من "الأيام المعدودات" هي الأربعون يوماً التي عبدوا فيها العجل في غياب موسى (عليه السلام)، وكان هذا ذنباً لم يكونوا هم أنفسهم قادرين على إنكاره.
أو لعلّها أيّام قليلة من أعمارهم إرتكبوا فيها ذنوباً كبيرة غير قابلة للإنكار، ولم يستطيعوا حتّى على إخفائها.
هذه الإمتيازات الكاذبة المصطنعة، التي أسبغوها على أنفسهم ونسبوها إلى الله، صارت شيئاً فشيئاً جزءاً من معتقداتهم بحيث إنّهم اغترّوا بها وراحوا يخالفونأحكام الله ويخرقون قوانينه مجترئين عليها جرأةً لا مزيد عليها (وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون).
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ﴾ التوراة أو جنس الكتب المنزلة وتنكير النصيب للتعظيم أو التحقير أريد بهم أحبار ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ﴾ القرآن أو التوراة ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ في نبوة محمد أو في أن دين إبراهيم الإسلام أو في أمر الرجم ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ استبعاد لتوليهم مع علمهم بوجوب الرجوع إليه ﴿وَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ شأنهم الإعراض.