تشير الآية التي بعدها إلى إحدى فضائل ومعاجز عيسى (عليه السلام) وهي تكلّمه في المهد (ويكلّم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين).
فقد جاء في سورة مريم أنّهلدفع التهمة عن أُمّه تكلّم في المهد كلاماً فصيحاً أعرب فيه عن عبودّيته لله،وعن كونه نبيّاً.
ولمّا لم يكن من الممكن أن يولد نبيّ في رحم غير طاهرة، فإنّه يؤكد بهذا الإعجاز طهارة أُمّه.
"المهد" هو كلّ مكان يعدّ لنوم المولود حديثاً، سواء أكان متحرّكاً أم ثابتاً والظاهر من آيات سورة مريم أنه (عليه السلام) تكلّم منذ بداية تولده ممّا يستحيل على كلّ طفل أن يقوم به في هذا العمر عادة، وبهذا كان كلامه في المهد معجزة كبيرة.
ولكن الكلام في مرحلة الكهولة(3).
امر عادي.
ولعلّ ذكره في الآية اعلاه مقارناً للحديث في المهد إشارة أن كلامه في المهد مثل كلامه في الكهوله والكمال لم يجانب الصواب والحقّ والحكم.
وتشير الآية كذلك إلى أنّ المسيح لا ينطق إلاَّ بالحقّ منذ ولادته حتّى كهولته، وأنّه يواصل الدعوة إلى الله وإرشاد الناس ولا يفتر عن ذلك لحظة واحدة.
ولعلّ إيراد هذا التعبير عن المسيح ضرب من التنّبؤ بعودة المسيح إلى الدنيا، إذ أنّنا نعلم من كتب التاريخ أنّ عيسى (عليه السلام) قد رُفِع من بين الناس إلى السماء وهو في الثالثة والثلاثين من عمره.
وهذا يتّفق مع كثير من الأحاديث الواردة عن عودة المسيح في عهد الإمام المهدي (عليه السلام) ويعيش معه بين الناس ويؤيّده.
وبعد ذكر مناقب المسيح المختلفة يضيف إليها (ومن الصالحين).
ومن هذا يتّضح أنّ الصلاح من أعظم دواعي الفخر والإعتزاز، وتنضمّ تحت لوائه القيم الإنسانية الأُخرى.
﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً﴾ من غير تفاوت في الحالين بكلام الله قيل رفع شابا فالمراد كهلا بعد نزوله وذكر تقلب أحواله دليل على نفي إلهيته ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ حال رابع من كلمة.