لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي الآية الثانية إشارة إلى معجزاته العديدة. ثمّ تبيّن الهدف من كلّ ذلك وهو هداية بني إسرائيل المنحرفين (ورسولاً إلى بني إسرائيل). من الجدير بالذكر أنّ الآية تفيد أنّ رسالة عيسى كانت موجّهة إلى بني إسرائيل فقط. وهذا لا يتنافى مع كونه من أُولي العزم، لأنّ أُولي العزم هم الأنبياء الذين جاؤوا بدين جديد، حتّى وإن لم يكن عالميّ الرسالة. وقد جاء في تفسير "نور الثقلين" حديث عن إقتصار رسالة عيسى على بني إسرائيل(1). إلاَّ أنّ بعض المفسّرين يرون إحتمال عالمية رسالة المسيح، وأنّها لم تكن محصورة ببني إسرائيل، على الرغم من أنّ بني إسرائيل كانوا على رأس الذين اُرسل إليهم لهدايتهم. يورد المرحوم العلاّمة المجلسي في "بحار الأنوار" أخباراً عن أُولي العزم من الأنبياء تؤيّد أنّها كانت رسالات عالمية(2). ثمّ تضيف الآية (اني قد جئتكم بآية من ربكم) وليست آية واحدة، بل آيات عديدة (لأن التنوين جاء هنا لبيان عظمة هذه الآية، لا لبيان وحدتها". ولمّا كانت دعوة الأنبياء في الحقيقة دعوة إلى حياة حقيقية، فإنّ هذه الآية ـعند بيان معجزات السيّد المسيح (عليه السلام)- تبدأ بذكر بثّ الحياة في الأموات بإذن الله، وتقول على لسان المسيح (عليه السلام) (أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله). إنّ قضية إحياء الموتى التدريجي بإذن الله ليست عويصة، لأنّنا نعلم أنّ جميع الكائنات الحيّة مخلوقة من التراب والماء، إلاَّ أنّ المعجزة في أن هذا الخلق الذي تحقّق على إمتداد سنوات طويلة. فما الذي يمنع من أن يكثّف الله تلك العوامل والأسباب بحيث تتمّ مراحل الخلق بسرعة فائقة، ويتحوّل الطين إلى كائن حي؟ بديهيّ أنّ تحقّق هذا الأمر في ذلك المحيط، وفي أي محيط آخر، سند حيّ ودليل واضح على علاقة صاحب المعجزة بعالم ما وراء الطبيعة، وعلى قدرة الله اللامتناهية. ثمّ تشير إلى معالجة الأمراض الصعبة العلاج أو التي لا علاج لها، وتقول على لسانه: (وأُبريء الأكمه والأبرص(3) وأحيي الموتى بإذن الله). لاشكّ أنّ القيام بكلّ هذه الأعمال وخاصّة لدى علماء الطبّ في ذلك الزمان كان من المعجزات التي لا يمكن إنكارها. بعد ذلك تشير إلى إخباره عن أسرار الناس الخافية، فلكلّ امرىء في حياته بعض الأسرار التي لا يعرف الآخرون شيئاً عنها. فإذا جاء من يخبرهم بما أكلوه، أو ما ادّخروه، فهذا يعني أنّه يستقي معلوماته من مصدر غيبي: (وأُنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم) وأخيراً يقول إنّ هذه كلّها دلائل صادقة للذين يؤمنون منكم: (إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين). بحوث 1- أكانت معجزات المسيح عجيبة؟ يصرّ بعض المفسّرين- مثل صاحب المنار- على تأويل المعجزات التي ذكرها القرآن للمسيح بشكل من الأشكال. من ذلك قولهم إنّ المسيح اكتفى بمجرّد الادّعاء بأنّه يفعل كذا وكذا بإذن الله، ولكنّه لم يفعل منها شيئاً أبداً! فإذا كان هذا الرأي قابلاً للنقاش هنا، فإنّ ما جاء في الآية 110 من سورة المائدة لا مجال فيه لأيّ نقاش: (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير...) لأنّ الآية تقول صراحةً إنّ واحدة من نِعم الله عليك أنّك كنت تصنع من الطين طيراً حيّاً بإذن الله. إنَّ الإصرار على أمثال هذه التأويلات لا موجب له أبداً. لأنّه إذا كان الهدف إنكار أعمال الأنبياء الخارقة للعادة، فإنّ القرآن يصرّح بها في كثير من المواضع، فإذا استطعنا –فرضاً- أن نؤوّل المعجزات فكيف بسائر المعجزات التي لا يمكن تأويلها؟ ثمّ إنّنا إذا كنا نقول إنّ الله هو الذي يحكم قوانين الطبيعة، وليست هي التي تحكمه، فما الذي يمنع هذه القوانين الطبيعية أن تتغيّر بأمر منه في ظروف استثنائية فتظهر حوادث بطرق غير طبيعية. أمّا إذا تصوّر هؤلاء أن ذلك يتعارض مع وحدة أفعال الله وخالقيّته وكونه لا شريك له، فإنّ القرآن قد أجاب على هذا. فوقوع هذه الحوادث أينما وقعت مشروط بأمر الله، أي أنّ أحداً بقواه الخاصّة غير قادر على القيام بأمثال هذه الأعمال إلاَّإذاشاء،وبإمداد من قدرته اللامتناهية وهذاهوالتوحيد عينه، لا الشرك. 2- الولاية التكوينية تفيد هذه الآية وآيات أُخرى سوف نتطرّق إليها- إن شاء الله- أنّ رسل الله وأولياءه يستطيعون بإذن منه وبأمره- إذا اقتضى الأمر- أن يتدخّلوا في عالم الخلق والتكوين، وأن يحدثوا ما يعتبر خارقاً للقوانين الطبيعية. فاستعمال أفعال مثل "أُبريء" و "أُحيي الموتى" وبضمير المتكلّم تدلّ على أنّ هذه الأفعال من عمل الأنبياء أنفسهم، وأنّ القول بأنّ هذه الأفعال كانت تقع بسبب دعائهم فقط هو قول لا يقوم عليه دليل، بل أنّ ظاهر الآيات يدلّ على أنّهم كانوا يتصرفون بعالم التكوين ويقومون بتلك الأفعال. ولكن لكي لا يتصوّر أحد أنّ الأنبياء والأولياء كان لهم استقلال في العمل، وأنّهم أقاموا جهازاً للخلق في مقابل جهاز خلق الله، وكذلك لكي لايكون هناك أيّ إحتمال للشرك وللعبادة المزدوجة، تكرّر قول "بإذن الله"، (تكرّر في هذه الآية مرّتين، وفي الآية 110 من سورة المائدة أربع مرّات). وما الولاية التكوينية إلاَّ القول بأنّ الأنبياء والأئمّة يستطيعون- إذا لزم الأمرـ أن يتصرّفوا في عالم الخلق بإذن الله. وهذا مقام أرفع من مقام الولاية التشريعية، أي إدارة الناس وحكمهم ونشر قوانين الشريعة بينهم ودعوتهم إلى الله وهدايتهم إلى الصراط المستقيم. وبذلك يتضح جواب الذين ينكرون ولاية أهل الله التكوينية يعتبرونها ضرباً من الشرك. فما من أحد يقول بأنّ للأنبياء والأئمّة جهازاً للخلق مستقلاً في قبال الله. إنّما هم يفعلون ما يفعلون بإذن الله وبأمر منه. غير أنّ منكري الولاية التكوينية يقولون إنّ مهمّة الأنبياء تنحصر في الدعوة إلى الله وإبلاغ رسالته وأحكامه، وقد يتوسّلون أحياناً بالدعاء إلى الله في بعض الأُمور التكوينية، وأنّ هذا هو كلّ ما يقدرون عليه، مع أنّ هذه الآية والآيات الأُخرى تفيد غير ذلك. كما يُستنتج من هذه الآية أنّ كثيراً من معجزاتهم- على الأقل- قد فعلوها بأنفسهم، وإن كان ذلك بإذن الله وبعون من القدرة الإلهية. في الواقع يمكن القول بأنّ المعجزة من عمل الأنبياء- لأنّهم هم الذين يقومون بها- كما هي من عمل الله لأنّها تتمّ بإذنه وبالإستعانة بقدرته. 3- الجدير بالإلتفات هنا إن تكرار القول "بإذن الله" والاعتماد على مشيئته في هذه الآية من أجل أن لا يبقى عذر لمدعي اُلوهية المسيح، ولكيلا يعتبره الناس ربّاً، أما عدم تكرارها في الأخبار بالغيب لوضوح الأمر. ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي بقبول أرسلت رسولا ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ﴾ الضمير للكاف بمعنى مثل ﴿فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ﴾ وأمره إشارة إلى أن إحياءه من الله لا منه ﴿وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ﴾ الذي ولد أعمى ﴿والأَبْرَصَ﴾ قيل ربما اجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى وما يداوي إلا بالدعاء ﴿وَأُحْيِي الْمَوْتَى﴾ وممن أحيا سام بن نوح ﴿بِإِذْنِ اللّهِ﴾ كرر لدفع توهم الألوهية ﴿وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ أي بالمغيبات من أحوالكم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ مصدقين بالمعجزات.