التّفسير
هذه الآية جاءت على لسان المسيح (عليه السلام) ولبيان بعض اهداف النبوّة حيث يقول: جئت أُؤكّد لكم التوراة وأُثبت أُصولها ومبادئها (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة) كما جئت لأرفع الحظر الذي فرض عليكم، بالنسبة لبعض الأشياء، في دين موسى بسبب عصيانكم- مثل منع لحم الأباعر، وبعض شحوم الحيوانات، وبعض الطيور، والأسماك- (ولاُحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم).
وسوف نجد في تفسير الآية 160 من سورة النساء أنّه بسبب عناد بعض جماعات اليهود وطغيانهم حرّم الله عليهم بعض الطيّبات من النِعم: (فَبِظُلم من الَّذينَ هَادوا حرّمنا عليهم طيّبات أُحِلَّت لهم).
إلاَّ أنّ هذه المحظورات أُحلّت لهم مرّة أُخرى ببركة ظهور المسيح (عليه السلام) هذا النبيّ العظيم.
ثمّ مرّة أُخرى تتكرّر الجملة التي قرأنا على لسان المسيح في الآية السابقة: (وجئتكم بآية من ربّكم فاتّقوا الله وأطيعون).
وفي الآية الثانية تؤكد على لسان السيد المسيح (عليه السلام) عبودية المسيح لرفع كلّ إبهام وريب قد ينشأ من كيفية ولادته التي قد يتشبث بها البعض لإثبات الوهيته وتقول: (ان الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) يتّضح من هذه الآية ومن آيات أُخرى أنّ السيّد المسيح، لكي يزيل كلّ إبهام وخطأ فيما يتعلّق بولادته الخارقة للعادة، ولكي لا يتّخذونها ذريعة لتأليهه، كثيراً ما يكرّر القول (إنّ الله ربّي وربّكم) و (إنّي عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً)(1)، بخلاف ما نراه في الأناجيل المحرّفة الموجودة التي تنقل عن المسيح أنّه كان يستعمل "الأب" في كلامه عن الله.
﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ أي وجئتكم مصدقا ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ في شريعة موسى كلحم الإبل والشحوم والثرب وبعض الطير والسمك ﴿وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ ذكر ذلك أولا تمهيدا للحجة ثم كرره بعد ذكر الحجة تذكيرا يترتب عليه ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ)