سبب النّزول
قلنا في بداية هذه السورة أنّ الكثير من آياتها كانت ردّاً على محاورات مسيحيّي نجران الذين جاؤوا في وفد مؤلّف من 60 شخصاً وفيهم عدد من زعمائهم بقصد التحاور مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
من بين المواضيع التي طرحت في ذلك الإجتماع مسألة اُلوهيّة المسيح التي رفضها رسول الله واستدلّ بأنّ المسيح وُلِد وعاش كبقية الناس ولا يمكن أن يكون إلهاً، لكنّهم استدلّوا على الوهيّته بولادته من غير أب، فنزلت الآية ردّاً عليهم، ولمّا رفضوا ذلك دعاهم إلى المباهلة، وسوف يأتي ذكرها قريباً إن شاء الله.
التّفسير
نفي الوهية المسيح:
الآية الأُولى تورد استدلالاً قصيراً وواضحاً في الردّ على مسيحيّي نجران بشأن الوهية المسيح: إنّ ولادة المسيح من غير أب لا يمكن أن تكون دليلاً على أنّه ابن الله أو أنّه الله بعينه، لأنّ هذه الولادة قد جرت لآدم بصورة أعجب فهو قد ولد من غير أب ولا أُم.
وعليه، فكما أنّ خلق آدم من تراب لا يستدعي التعجّب، لأنّ الله قادر على كلّ شيء، ولأن "فعله" و "إرادته" متناسقان فإذا أراد شيئاً يقول له: كن فيكون، كذلك ولادة عيسى من أُمّ وبغير أب، ليست مستحيلة.
وأساساً، فإن الميسور والمعسور يتحقّقان بالنسبة لمن كانت قدرته محدودة كما في المخلوقات، أمّا من كانت قدرته مطلقة فلا مفهوم للصعب والسهل بالنسبة له.
فخلق ورقة واحدة تتساوى بالنسبة له مع خلق غابة من آلاف الكيلومترات، وخلق ذرة واحدة كخلق المنظومة الشمسية لديه.
﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى﴾ في الخلقة من غير أب ﴿عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ من غير أب ولا أم، شبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم ﴿ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ حكاية حال ماضية.