أكبر إنحرافات بني إسرائيل:
في هذه الآيات الأربع، تأكيد على مقطع آخر من تاريخ بني إسرائيل، وعلى أكبر إنحراف اُصيبوا به في تاريخهم الطويل، وهو الإنحراف عن مبدأ التوحيد، والإتجاه إلى عبادة العجل.
وهذا التأكيد تذكير لهم بما لحقهم من زيغ نتيجة إغواء الغاوين، وتحذير لهم من تكرر هذه التجربة في مواجهة الدين الخاتم: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾وهي ليالي افتراق موسى عن قومه، ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾.
شرح هذا المقطع من تاريخ بني إسرائيل سيأتي في سورة الأعراف الآية وما بعدها، وفي سورة طه الآية وما بعدها.
وخلاصته، إن موسى (عليه السلام) بعد نجاة بني إسرائيل من قبضة الفراعنة اُمر بالذهاب إلى جبل الطور مدة ثلاثين ليلة لتسلم ألواح التوراة، ثم مُدّت هذه الليالي إلى أربعين ليلة من أجل اختبار قومه.
واستغل السامريّ الدّجال هذه الفرصة، فجمع ما كان لدى بني إسرائيل من ذهب الفراعنة ومجوهراتهم، وصنع يمنها عج له صوت خاص، ودعا بني إسرائيل لعبادته.
فأتبعه أكثر بني إسرائيل، وبقي هارون - أخو موسى وخليفته - مع أقلية من القوم على دين التوحيد، وحاول هؤلاء الموحّدون الوقوف بوجه هذا الإِنحراف فلم يفلحوا، وأوشك المنحرفون أن يقضوا على حياة هارون أيضاً.
بعد أن عاد موسى من جبل الطور تألم كثيراً لما رآه من قومه، ووبّخهم بشدّة فثاب بنو إسرائيل إلى رشدهم، وأدركوا خطأهم وطلبوا التوبة، فجاءهم أمر السماء بتوبة ليس لها نظير، سنذكرها فيما يلي.
﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ وعده بعد هلاك فرعون أن يعطيه التوراة بعد ثلاثين ليلة فلما استاك فذهب طيب فمه فأخر عشرا ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ إلها ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ بعد انطلاقه إلى الجبل ﴿وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾ بإشراككم.