سبب النّزول
ذكر بعض المفسّرين أن الآية الأولى نزلت في أهل الكتاب الذين آمنوا بالنبي(ص) قبل بعثته، ولكنّهم بعد البعثة كفروا به.
وذهب آخرون إلى أنها نزلت في الحارث بن سويد وأحد عشر آخرين الذين إرتدّوا عن الإسلام لأسباب.
ثمّ تاب وعاد إلى الإسلام.
أمّا الآخرون فقد رفضوا دعوته للعودة، وقالوا: سنبقى في مكّة ونواصل مناوءة محمّد إنتظاراً لهزيمته.
فإذا تحقّق ذلك فخير، وإلاَّ فإنّ باب التوبة مفتوح، نتوب وقتما نشاء ونرجع إلى محمّد، وسوف يقبل توبتنا! وعندما فتح رسول الله (ص) مكة اسلم بعضهم وقبلت توبتهم، وأمّا من أصرّ على البقاء على الكفر فقد نزلت الآية الثانية بشأنهم.
التّفسير
التوبة الباطلة:
(إنّ الذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفراً لن تُقبل توبتهم).
كان الكلام في الآيات السابقة يدور حول الذين يندمون حقّاً على إنحرافهم عن طريق الحقّ فيتوبون توبةً صادقة.
في هذه الآية يدور الكلام على الذين لن تُقبل توبتهم، وهم الذين آمنوا أوّلاً، ثمّ إرتدّوا وكفروا، وأصرّوا على كفرهم، ورفضوا الإنصياع لأوامر الله، حتّى إذا اشتدّ عليهم الأمر اضطرّوا إلى العودة للإسلام.
إنّ الله لن يقبل توبة هؤلاء، لأنّهم لن يتّخذوا بإختيارهم خطوة في سبيل الله، بل هم مجبرون على إظهار الندم والتوبة بعد رؤيتهم إنتصار المسلمين.
لذلك فتوبتهم ظاهرية ولن تُقبل.
وثمّة إحتمال آخر في تفسير هذه الآية هو: أنّ أمثال هؤلاء الأشخاص عندما يرون أنفسهم على أعتاب الموت ونهاية العمر قد يندمون ويتوبون حقّاً.
غير أنّ توبتهم لن تُقبل، لأنّ وقت التوبة يكون قد إنتهى، كما سيأتي شرحه.
وهذا نظير قوله تعالى في الآية 18 من سورة النساء: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن).
وقيل: من المحتمل أن يكون معنى الآية: إنّ التوبة عن الذنوب العادية في حال الكفر لن تقبل.
أي إذا أصرّ أحدهم على المضي في طريق الكفر، ثمّ تاب عن ذنوب معيّنة كالظلم والغيبة وأمثالهما، فإنّ توبته هذه لا طائل وراءها ولن تُقبل، وذلك لأنّ غسل التلوّث الظاهر عن الروح والنفس، مع بقاء التلوّث الأعمق في الباطن، لا فائدة منه.
لابدّ أن نضيف هنا أنّ التفاسير المذكورة آنفاً لا تعارض بينها، وقد تشملها الآية جميعاً، وإن يكن التفسير الأوّل أقرب إلى الآيات السابقة وإلى سبب نزول هذه الآية.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا﴾ هم اليهود كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد أو بمحمد بإيمانهم به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم وطعنهم فيه وصدهم عن الإيمان ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ لنفاقهم فيها، أو لأنهم لا يتوبون إلا عند المعاينة ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ﴾.