ثمّ يتساءل- في عجب واستغراب- (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) أي كيف يمكن أن تسلكوا سبيل الكفر، وترجعوا كفّاراً والنبي(ص) بين ظهرانيكم، وآيات الله البينات تقرأ على أسماعكم، وتشع أنوار الوحي على قلوبكم وتهطل عليكم أمطاره المحيية؟
إن هذه العبارة ما هي- في الحقيقة- إلاَّ الإشارة إلى أنه لا عجب إذا ضل الآخرون وانحرفوا، ولكن العجب ممّن يلازمون الرسول ويرونه فيما بينهم، ولهم مع عالم الوحي إتصال دائم...
ومع آياته صحبة دائمة، إن العجب إنما هو- في الحقيقة- من هؤلاء كيف يضلون وكيف ينحرفون؟
إنه حقّاً يدعو إلى الدهشة والإستغراب ويبعث على العجب أن يضل مثل هؤلاء الذين يعيشون في بحبوحة النور، ولاشك أنهم أنفسهم يتحملون إثم هذا الضلال ـإن ضلوا- لأنهم لم يضلوا إلاَّ عن بيّنة، ولم ينحرفوا إلاَّ بعد بصيرة...
ولا شكّ أن عذابهم سيكون شديداً جدّاً لذلك.
ثمّ في ختام هذه الآيات يوصي القرآن الكريم المسلمين- إن أرادوا الخلاص من وساوس الأعداء، وأرادوا الإهتداء إلى الصراط المستقيم- أن يعتصموا بالله ويلوذوا بلطفه ويتمسكوا بهداياته وآياته، ويقول لهم بصراحة تامة (ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم).
هذا ومن النقاط المهمة التي تلفت النظر في هذه الآيات هو أن الخطاب الإلهي في الآيتين الأوليين من هذه الآيات موجهة إلى اليهود بالواسطة، لأن الله سبحانه يأمر نبيه الكريم أن يبلغ هذه المواضيع لليهود عن لسانه فيقول تعالى له (قل)ولكنه عندما يوجه الخطاب إلى المسلمين في الآيتين الآخريين يخاطبهم بصورة مباشرة ودون واسطة فلا يشرع خطابه لهم بلفظه (قل) وهذا يكشف عن منتهى عناية الله ولطفه بالمؤمنين، وأنهم- دون غيرهم- لائقون بأن يخاطبهم الله مباشرة، وأن يوجه إليهم الكلام دون أن يوسط بينه وبينهم أحداً.
﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ﴾ استبعاد لكفرهم حال وجود ما يدعوهم إلى الإيمان ويصرفهم عن الكفر ﴿رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ﴾ يتمسك بدينه ﴿فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ جيء بالماضي لتحقق وقوعه.