لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
إن الآيات المذكورة وإن لم تصرح باسم اليهود ولكن بقرينة القرائن الموجودة في هذه الآية والآيات السابقة وكذا بقرينة الآية 61 من سوره البقرة ونظائرها ممّا صرّح فيه باسم اليهود يستفاد أن قوله تعالى: (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس) يرتبط باليهود، ويعنيهم. ففي هذا المقطع من الآية يقول سبحانه: أن أمام اليهود طريقين يستطيعون بهما أن يتخلصوا من لباس الذلة: إما أن يعودوا إلى الله، ويعقدوا حبلهم بحبله، وإما أن يتمسكوا بحبل من الناس، ويعتمدوا على هذا وذاك، ويعيشوا ذيولاً وأتباعاً للآخرين. وتعني لفظة "ثقفوا" المأخوذة من "ثقف" على وزن "سقف". الحذق في إدراك الشيء، والظفر به بمهارة. ويقصد القرآن من ذلك: أن اليهود أينما وجدوا فإنهم يوجدون وقد ختموا بخاتم الذلة على جباههم مهما حاولوا اخفاء ذلك- وكان ذلك هي الصفة البارزة لهم بسبب مواقفهم المشينة من تعاليم السماء، ورسالات الأنبياء العظام، إلاَّ إذا عادوا إلى منهج السماء، أو استعانوا بهذا أو ذاك من الناس لتخليصهم من هذا الذل. وإنقاذهم من هذا الهوان. وأما التعبير بـ (حبل من الله وحبل من الناس) وإن ذهب المفسّرون فيه إلى إحتمالات عديدة، بيد أن ما قد ذكر قريباً يمكن أن يقال بأنه أنسب إلى الآية من بقية الإحتمالات، لأنه عندما يوضع "حبل الله" في قبال "حبل من الناس" يتبين أن هناك معنى متقابلاً متفاوتاً لهما لا أن الأول بمعنى الإيمان بالله، والثاني بمعنى العهد المعطى لهم من جانب المسلمين على وجه الأمان والذمة. وعلى هذا تكون خلاصة المفهوم من هذه الآية هي: إن على اليهود أن يعيدوا النظر في برنامج حياتهم، ويعودوا إلى الله، ويمسحوا عن أدمغتهم كلّ الأفكار الشيطانية، وكلّ النوايا الشريرة، ويطرحوا النفاق والبغضاء للمسلمين جانباً، أو أن يستمروا في حياتهم النكدة المزيجة بالنفاق، مستعينين بهذا أو ذاك. فأما الإيمان بالله والدخول تحت مظلته وفي حصنه الحصين، وأما الإعتماد على معونة الناس الواهية. والإستمرار في الحياة التعسة. اليهود والمسكنة الدائمة: لقد كان أمام اليهود طريقان: إما أن يعودوا إلى منهج الله، وإما أن يبقوا على سلوكهم فيعيشوا أذلاء ما داموا، ولكنهم إختاروا الثاني ولهذا لزمتهم الذلة (وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة). ولفظة "باؤوا" تعني في الأصل المراجعة واتخاذ السكنى، وقد استخدمت هنا للكناية عن الإستحقاق فيكون المعنى: أن اليهود بسبب اقامتهم على المعاصي استحقوا الجزاء الإلهي، وإختاروا غضب الله كما يختار الإنسان مسكناً ومنزلاً للإقامة. وأمّا لفظة "مسكنة" فتعني الذلة والإنقطاع الشديد الذي لا تكون معه حيلة أبداً، وهي مأخوذة من السكون أصلاً، لأن المساكين لشدة ما بهم من الفقر والضعف لا يقدرون على أية حركة، بل هم سكون وجمود. ثمّ إنه لابدّ من الإلتفات إلى أن المسكين لا يعني المحتاج والمعدم من الناحية المالية خاصّة، بل يشمل هذا الوصف كلّ من عدم الحيلة والقدرة على جميع الأصعدة، فيدخل فيه كلّ ضعف وعجز وافتقار شديد. ويرى البعض أن الفرق بين الذلة والمسكنة هو أن الذلة ما كان مفروضاً على الإنسان من غيره، بينما تكون المسكنة ناشئة من عقدة الحقارة وازدراء الذات، أي أن المسكين هو من يستهين بشخصيته ومواهبه وذاته، فتكون المسكنة نابعة من داخله، بينما تكون الذلة مفروضة من الخارج. وعلى هذا الأساس يكون مفاد قوله تعالى (وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة) هو: أن اليهود بسبب إقامتهم على المعاصي وتماديهم في الذنوب اُصيبوا بأمرين: أولاً: طردوا من جانب المجتمع وحل عليهم غضب الله سبحانه، وثانياً: إن هذه الحالة "أي الذلة" أصبحت تدريجاً صفة ذاتية لازمة لهم حتّى أنهم رغم كلّ ما يملكون من امكانيات وقدرات مالية وسياسية، يشعرون بحقارة ذاتية، وصغار باطني، ولهذا لا نجد أي استثناء في ذيل هذه الجملة من الآية. وهذا هو ما يشير إليه قوله سبحانه إذ يقول: (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله * ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) وبذلك يشير سبحانه إلى علة هذا المصير الأسود الذي يلازم اليهود، ولا يفارقهم. إنهم لم يصابوا بما أصيبوا به من ذلة ومسكنة، وحقارة وصغار لأسباب قومية عنصرية أو ما شابه ذلك، بل لما كانوا يرتكبونه من الأعمال فهم: أولاً: كانوا ينكرون آيات الله ويكذبون بها. ثانياً: يصرون على قتل الأنبياء الهداة الذين ما كانوا يريدون سوى إنقاذ الناس من الجهل والخرافة، وتخليصهم من الشقاء والعناء. ثالثاً: إنهم كانوا يرتكبون كلّ فعل قبيح، ويقترفون كلَّ جريمة نكراء، ويمارسون كلّ ظلم فظيع، وتجاوز على حقوق الآخرين، ولا شكّ أن أي قوم يرتكبون مثل هذه الأُمور يصابون بمثل ما أصيب به اليهود، ويستحقون ما استحقوه من العذاب الأليم والمصير الأسود. مصير اليهود المظلم: إن التاريخ اليهودي الزاخر بالأحداث والوقائع يؤيد ما ذكرته الآيات السابقة تأييداً كاملاً، كما أن وضعهم الحاضر هو الآخر خير دليل على هذه الحقيقة، أي أن الذلة اللازمة لليهود والصغار الملتصق بهم أينما حلوا ونزلوا، ليس حكماً تشريعياً كما قال بعض المفسّرين، بل هو قضاء تكويني، وهو حكم التاريخ الصارم الذي يقضي بأن يلازم الذلة، ويصاب بالصغار كلّ قوم يتمادون في الطغيان، ويغرقون في الآثام، ويتجاوزون على حقوق الآخرين وحدودهم، ويسعون في إبادة القادة المصلحين والهداة المنقذين، إلاَّ أن يعيد هؤلاء القوم النظر في سلوكهم، ويغيروا منهجهم وطريقتهم، ويرجعوا ويعودوا إلى الله، أو يربطوا مصيرهم بالآخرين ليعيشوا بعض الأيام في ظل هذا أو ذاك كما هي حال الصهيونية اليوم. فإن الصهيونية التي تعادي المسلمين اليوم وتحارب الإسلام نجدها لا تستطيع الوقوف أمام الأخطار التي تهددها إلاَّ بالإعتماد على الآخرين، وحمايتهم رغم كلّ ما تملك من الثروات والقدرات الذاتية، وكلّ هذا يؤكد ويؤيد ما ذكرته هذه الآيات وما يستفاد منها من الحقائق، ولا شكّ أن هذا الوضع سيستمر بالنسبة إلى اليهود إلاَّ إذا تخلوا عن سلوكهم العدواني وأعادوا الحقوق إلى أهلها، وعاشوا إلى جانب الآخرين على أساس من الوفاق لا الغصب والعدوان والإحتلال. ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله ﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ﴾ وجدوا ﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾ استثناء من أعم الأحوال أي ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا معتصمين بذمة الله وذمة المسلمين ﴿وَبَآؤُوا﴾ رجعوا ﴿بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾ فاليهود غالبا فقراء مساكين ﴿ذَلِكَ﴾ الضرب والبوء ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ﴾ ذلك الكفر والقتل ﴿بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ حدود الله مع الكفر والقتل ويفيد خطابهم بالفروع.