ثمّ إن الله يذكر علامة اُخرى من علائم العداوة الكامنة في صدور الكفّار إذ يقول (ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها).
ولكن هل تضر هذه العداوة وما يلحقها من ممارسات ومحاولات شريرة بالمسلمين؟
هذا ما يجيب عنه ذيل الآية الحاضرة حيث يقول سبحانه: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط).
وعلى هذا يستفاد من ذيل هذه الآية أن أمن المسلمين، وسلامة حوزتهم من كيد الأعداء، يتوقف على استقامة المسلمين وحذرهم وتقواهم، ففي مثل هذه الحالة فقط يمكنهم أن يضمنوا أمنهم وسلامتهم من كيد الكائدين.
تحذير إلى المسلمين:
حذر الله سبحانه المسلمين في هذه الآية من أن يتخذوا أعداءهم بطانة يسرون إليهم بأسرارهم وأُمورهم وهو تحذير عام لا يختص بزمان دون زمان، ولا بمكان دون مكان، ولا بطائفة من المسلمين دون طائفة.
فلابدّ أن يحذر المسلمون من هذا العمل في جميع الأزمنة والأمكنة، حفاظاً على أمن المسلمين وكيانهم.
ولكننا مع الأسف نجد الكثيرين من أتباع القرآن قد غفلوا عن هذا التحذير الإلهي المهم، فتعرضوا لتبعات هذا العمل وآثاره السلبية.
فها نحن نجد أعداء كثيرين يحيطون بالمسلمين من كلّ جانب، يتظاهرون بمحبة المسلمين وصداقتهم، وربّما أعلنوا تأييدهم في بعض الاُمور، ولكنهم بما يظهرون- في بعض الأحيان- من مواقف عدائية يكشفون عن كذبهم، ومع ذلك ينخدع المسلمون بما يتظاهر هؤلاء الأعداء به من صداقة وحب وتأييد، ويعتمدون عليهم أكثر ممّا يعتمدون على إخوانهم من المسلمين المشاركين لهم في العقيدة والمصير.
في حين أن الأعداء والأجانب لا يريدون للأمة الإسلامية إلاَّ الشقاء والتأخر، وإلاَّ الهلاك والدمار، ولا يألون جهداً في إثارة المشاكل في وجه المسلمين وإيجاد الصعوبات في حياتهم.
ولا نذهب بعيداً، فإن الأعوام الأخيرة شهدت حربين بين المسلمين وأعدائهم الصهاينة، ففي الحرب الاُولى (حرب حزيران) تحمل المسلمون هزيمة ساحقة ونكسة قاطمة، في حين أنهم في حربهم الثانية (حرب رمضان) استطاعوا تحقيق إنتصارات باهرة على الأعداء وتغيّرت الخارطة السياسية لصالحهم.
وتمكنوا من دفن اُسطورة الجيش الإسرائيلي والرعب والخوف في صحراء "سيناء" وهضبة "الجولان" منذ الأيّام الاُولى للحرب، وذاق المسلمون أخيراً طعم النصر لأول مرّة في العقود الأخيرة.
ماذا حصل في هذه المدّة القصيرة التي شهدت هذا التحول الكبير؟ الجواب بحاجة إلى بحث طويل، ولكن من المتيقّن أن أحد الأسباب المؤثرة في تلك الهزيمة وهذا النصر هو أن الأجانب والذين كانوا يظهرون الود والصداقة للمسلمين كانوا على علم بأمر الحرب وتفاصيلها.
ولكن في الحرب الثانية لم يطلع على أسرار الحرب سوى اثنان أو ثلاثة من رؤساء البلدان الإسلامية، وهذا هو أحد عوامل النصر، وشاهد حيّ على عظمة هذا الدستور السماوي والقرآني.
﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ﴾ نعمة ﴿تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ﴾ محنة ﴿يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ﴾ على عداوتهم ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ موالاتهم لا يضركم ﴿لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ علما.