لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير وقع بين المفسّرين في تفسير هذه الآية كلام كثير، إلاّ أن ما هو مسلّم تقريباً هو أن الآية الحاضرة نزلت بعد "معركة أُحد" وهي ترتبط بأحداث تلك المعركة، والآيات السابقة تؤيد هذه الحقيقة أيضاً. ثمّ إنّ هناك معنيين يلفتان النظر من بين المعاني المذكورة في تفسير هذه الآية وهما: أولاً: إن هذه الآية تشكل جملة مستقلة، وعلى هذا تكون جملة (أو يتوب عليهم) بمعنى "إلاّ أن يتوب عليهم" ويكون معنى مجموع الآية كالتالي: ليس لك حول مصيرهم شيء، فإنهم قد استحقوا العذاب بما فعلوه، بل ذلك إلى الله، يعفو عنهم إن شاء أو يأخذهم بظلمهم، والمراد بالضمير "هم" إمّا الكفّار الذين ألحقوا بالمسلمين ضربات مؤلمة، حتّى أنهم كسروا رباعية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشجوا جبينه المبارك، وأما المسلمين الذين فروا من ساحة المعركة، ثمّ ندموا على ذلك بعد أن وضعت الحرب أوزارها واعتذروا للنبي (ص) وطلبوا منه العفو. فالآية تقول: إن العفو عنهم، أو معاقبتهم على ما فعلوا، أمر يعود إلى الله تعالى، وأن النبي لن يفعل شيئاً بدون إذنه سبحانه. وهناك تفسير آخر، وهو أن يعتبر قوله (ليس لك من الأمر شيء) جملة إعتراضية، وتكون جملة (أو يتوب عليهم) جملة معطوفة على (أو يكبتهم)وتعتبر هذه الآية متصلة بالآية السابقة. وعلى هذا يكون المراد من مجموع الآيتين، السابقة والحاضرة هو: إن الله سيمكنكم من وسائل النصر ويصيب الكفّار بإحدى اُمور أربعة: إما أن يقطع طرفاً من جيش المشركين، أو يردهم على أعقابهم خائبين مخزيين، أو يتوب عليهم إذا أصلحوا، أو يعذبهم بظلمهم، وعلى كلّ حال فإنه سيعامل كلّ طائفة وفق ما تقتضيه الحكمة والعدالة، وليس لك أن تتخذ أي موقف من عندك إذ كلّ ذلك إلى الله تعالى. ولقد نقلت في سبب نزول هذه الآية روايات عديدة منها أنه لما كان من المشركين يوم "أحد" ما كان من كسر رباعية الرسول (ص) وشجه حتّى جرى الدم على وجهه الشريف، ولحق بالمسلمين ما لحق من الخسائر في الأرواح والإصابات في الأبدان قلق النبي على مصير اُولئك القوم، وفكر في نفسه، كيف يمكن أن تهتدي تلك الجماعة المتمادية في غيها وعنادها وقال: "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم"؟ فنزلت الآية وأخبره تعالى فيها أنه ليس إليه إلاّ ما اُمر به من تبليغ الرسالة ودعائهم إلى الهدى، فهو ليس مسؤولاً عن هدايتهم إن لم يهتدوا ولم يستجيبوا لندائه. تصحيح خطأ: لابدّ هنا من الإنتباه إلى نقطتين: 1- إن المفسّر المعروف صاحب تفسير "المنار" يعتقد أن هذه الآية تُعلم المسلمين درساً كبيراً في مجال الإستفادة من الوسائل والأسباب الطبيعية للنصر، وإن وعد الله لهم بإنزال النصر عليهم، ليس بمعنى أن للمسلمين أن يتجاهلوا الوسائل الحربية، والتخطيط العسكري، وما شاكل ذلك من الأسباب المادية اللازمة للقتال ولتحقيق الإنتصار، وإنتظار أن يدعو لهم النبي لينزل عليهم النصر الالهي، دون الأخذ بالأسباب القتالية المتعارفة، ولهذا جاءت الآية تخاطب النبي قائلة (ليس لك من الأمر شيء) بمعنى أن أمر النصر لم يوكل إليك، بل هو إلى الله، وقد جعل الله لتحقيقه سننا ً ونواميس يجب أن يستخدمها الناس حتّى يتحقّق لهم النصر والغلبة (وبالتالي فإن دعاء النبي وإن كان مؤثراً ومفيداً، إلاّ أن له موارد استثنائية خاصّة). وهذا الكلام وإن كان منطقياً في حد ذاته، إلاّ أنه لا يلائم ما جاء في ذيل الآية إذ يقول سبحانه: (أو يتوب عليهم، أو يعذبهم) ولهذا لا يمكن تفسير الآية بما قاله هذا الكاتب. 2- إن هذه الآية وإن كانت تنفي أن يكون للنبي الحقّ في أن يغفر للكفار والمشركين أو يعذبهم، إلاّ أنها لا تتعارض مع ما يستفاد من الآيات الاُخرى من تأثير دعائه (ص) وعفوه وشفاعته، لأن المقصود في الآية الحاضرة هو نفي أن يكون للنبي كلّ ذلك على نحو الإستقلال، وعلى هذا لاينافي أن يكون له كلّ ذلك (من العفو أو المجازاة) بإذن الله سبحانه. فله بالتالي أن يعفو- بإذن الله- لمن أراد، أو يجازي حيث تصح المجازاة، كما أن له أن يهيىء عوامل النصر وأسباب الظفر، بل وله- بإذن الله- أن يحيي الموتى كما كان يفعل المسيح (عليه السلام) بإذنه سبحانه. إن الذين تمسكوا بقوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء) لنفي وإنكار قدرة الرسول على هذا الأمر نسوا- في الحقيقة- الآيات القرآنية الأُخرى في هذا المجال. فالقرآن الكريم يقول في سورة النساء الآية 64 (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً). فاستغفار النبي (ص) عُد- طبق هذه الآية- من العوامل المؤثرة لمغفرة الذنوب، وسوف نوضح هذه الحقيقة في أبحاثنا القادمة عند تفسير الآيات المناسبة إن شاء الله. ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ مفترضة ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ إن أسلموا ﴿أَوْ يُعَذَّبَهُمْ﴾ إن أصروا أي إن الله مالك أمرهم فأما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب أو يعذب ليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مأمور منذر وقرىء إن يتب عليهم أو يعذبهم وأن تتوب عليهم أو تعذبهم بتاء الخطاب فيهما ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ مستحقون للعذاب بظلمهم.