لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: مكائد الشّيطان: إِنّ الآية الأُولى - من مجموع الآيات الخمس الأخيرة - تشرح أوضاع المشركين الذين أشارت إِليهم الآية السابقة لهذه الأخيرة، وهذه الآية إِنّما تبيّن سبب ضلال المشركين، فتذكر أنّهم يعانون من ضيق شديد في أفق تفكيرهم، إِذ يتركون عبادة الله خالق ومنشىء عالم الوجود الوسيع، ويخضعون أمام المخلوقات التي لا تملك أقل أثر إِيجابي في الوجود، بل هي - أحياناً مضللة كالشّيطان: (إن يدعون من دونه إِلاّ إناثاً وإن يدعون إِلاّ شيطاناً مريداً). وممّا يلفت النظر أن هذه الآية تحصر أصنام المشركين بنوعين من المخلوقات هما "إناث" و"شيطان مريد". وكلمة "إناث" مشتقة من المصدر "أنث" على وزن "أدب" وتعني المخلوق الرقيق اللطيف والمرن، ولهذا السبب فإنّ العرب تقول: "أنث الحديد" إذا لانّ في النار، وقد سمي جنس المرأة بـ"الاناث" لأنّها أكثر رقّة ولطفاً وليناً من الرجل. لكن بعض المفسّرين يرى هنا - أنّ القرآن يشير في هذه الآية إِلى أصنام كانت معروفة لدى قبائل العرب حيث انتخبت كل قبيلة صنماً من هذه الأصنام ووضعت له إسماً مؤنثاً. فالصنم "اللات" سمّي هكذا ليكون مؤنثاً لكلمة لفظ الجلالة "الله"، أمّا الصنم "عزى" فهو مؤنث كلمة "أعز" وكذلك أصنام أُخرى مثل "مناة" و"نائله" وأمثالها. بينما يرى بعض اخر من كبار المفسّرين أنّ القصد من كلمة "اناث" الواردة في الآية ليس المعنى المعروف بالمؤنث، بل أنّ القصد منها هو الجذر اللغوي الذي اشتقت منه هذه اللفظة، أي أنّ المشركين يعبدون مخلوقات ضعيفة ومطاوعة بين يدي الإِنسان، وأن وجود هذه المخلوقات بكاملها قابل للتأثر والإِنحناء أمام الأحداث، وبعبارة أوضح: أنّها موجودات لا تملك الإِرادة والإِختيار ولا تنفع ولا تضرّ شيئاً أبداً. أمّا كلمة "مريد" وهي من حيث الجذر اللغوي مأخوذة من مادة "مرد" بمعنى سقوط أوراق وأغصان الشجر، ولهذا سمّي الشاب اليافع الذي لم ينبت الشعر في وجهه بالأمرد، وعلى هذا فإِنّ الشيطان المريد يعني ذلك الشيطان الذي سقطت منه جميع صفات الفضيلة، ولم يبق في وجوده شيء من مصادر القوّة. أو قد تكون هذه الكلمة مأخوذة من الأصل "مرود" بمعنى الطغيان والجبروت، أي أن معبود هؤلاء الوثنيين هو شيطان متكبر متجبر. والحقيقة أنّ القرآن قسم أصنام هؤلاء المشركين إِلى نوعين: بعضها ضعيف الإِرادة مطلقاً، والبعض الآخر طاغ متكبر متجبر، لكي يبيّن أن الذي يسلم قياده ويخضع لمثل هذه الأصنام إِنّما يعيش في ضلال واضح مبين. بعد ذلك كله تشير الآية إِلى صفات الشيطان وأهدافه وعدائه الخاص لأبناء آدم وتتناول بالشرح بعضاً من خططه الدنيئة، وقبل كل شيء تؤكد أن الله قد أبعد الشيطان عن رحمته (لعنه الله). وفي الحقيقة فإِنّ أساس شقاء وتعاسة الشيطان هو البعد عن رحمة الله، التي أصابته بسبب غروره وتكبره المفرطين، وبديهي أنّ من يكون بعيداً عن رحمة الله كالشيطان، يكون خاوياً من كل خير أو حسن، ولا يمكنه أن يترك خيراً أو حسناً في حياة غيره، وفاقد الشيء لا يعطيه، فهو لن يكون غير نافع فحسب، بل سيكون ضاراً أيضاً. ثمّ تذكر الآية التالية أنّ الشيطان قد أقسم على أن ينفذ بعضاً من خططه: أوّلها: أن يأخذ من عباد الله نصيباً معيناً، حيث تقول الآية حاكية قول الشيطان: (وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً) فالشيطان يعلم بعجزه عن اغواء جميع عباد الله، لأنّ من يستسلم لإِرادة الشيطان ويخضع له هم فقط اُولئك المنجرفون وراء الأهواء والنزوات، والذين لا إِيمان لهم، أو ضعاف الإِيمان. ﴿إِن يَدْعُونَ﴾ ما يعبدون ﴿مِن دُونِهِ﴾ دون الله ﴿إِلاَّ إِنَاثًا﴾ أصناما مؤنثة كاللات والعزى ومناة قيل: كان لكل حي صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان وقيل: والأصنام كلها مؤنثة سماعية أو إلا جمادات لأن الجمادات مؤنث أو إلا ملائكة لقولهم الملائكة بنات الله ﴿وَإِن يَدْعُونَ﴾ ما يعبدون ﴿إِلاَّ شَيْطَانًا﴾ لطاعتهم له فيها ﴿مَّرِيدًا﴾ عاتيا خارجا عن الطاعة.