التّفسير
العدالة شرط في تعدد الزّوجات:
نستنتج من الجملة التي وردت في نهاية الآية السابقة - التي تمّ البحث عنها والتي دعت الرجال إِلى فعل الخير والتزام التقوى - إنّها تعتبر نوعاً من التهديد للأزواج من الرجال، بأن يراقبوا حالهم ولا ينحرفوا قيد شعرة عن جادة الحق والعدالة لدى التعامل مع زوجاتهم.
وقد يرد إعتراض وهو: إِنّ تحقيق العدالة في مجال الحبّ والعلاقات القلبية أمر بعيد المنال، فكيف يمكن إِذن والحالة هذه اتباع العدل مع الزوجات؟
ورداً على الإِعتراض المذكور توضح الآية (129) من سورة النساء، بأنّ تحقيق العدالة في مجال الحبّ بين الزوجات أمر غير ممكن، مهما بذل الإِنسان من سعي في هذا المجال فتقول الآية: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)ويتبيّن من عبارة (ولو حرصتم) هذه وجود أشخاص بين المسلمين كانوا يسعون كثيراً لتحقيق تلك العدالة المطلوبة، ولعل سعيهم ذلك كان من أجل الحكم المطلق الذي طالب المسلمين باتّباع العدل من زوجاتهم والذي ورد في الآية الثّالثة من سورة النساء، التي تقول: (...وإِن خفتم ألا تعدلوا فواحدة).
بديهي أنّ أي حكم سماوي لا يمكن أن ينزل على خلاف فطرة البشر، كما لا يمكن أن يكون تكليفاً بما لا يطاق، ولمّا كانت العلاقات القلبية تنتج عن عوامل يكون بعضها خارجاً عن إِرادة الإِنسان، لم يحكم الله بتحقيق العدالة في مجال الحبّ القلبي بين الزوجات، أمّا فيما يخص الأعمال وأسلوب التعامل ورعاية الحقوق بين الأزواج ممّا يمكن للإِنسان تحقيقه، فقد تمّ التأكيد على تحقيق العدالة فيه.
ولكي لا يسيء الرجال استغلال هذا الحكم، طالبت الآية الرجال بأن لا يظهروا الميل الكامل لإِحدى الزوجات إِذا تعسر عليهم تحقيق المساواة في حبّهم لهنّ جميعاً، كي لا يضيع حق الأُخريات ولا يحرن في أمرهنّ ماذا يفعلن! حيث تقول الآية: (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة...).
وتحذر الآية في آخرها اُولئك الذين يجحفون في حقّ زوجاتهم، وتطالبهم بأن يتبعوا طريق الإِصلاح والتقوى، ويعرضوا عمّا فات في الماضي، كي يشملهم الله برحمته وعفوه، فتقول الآية: (وأن تصلحوا وتتقوا فإِن الله كان غفوراًرحيماً...).
﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء﴾ في المودة القلبية أو في كل الأمور من جميع الوجوه ﴿وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ على ذلك فلا تكلفون منه إلا ما تستطيعون ﴿فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ﴾ بترك المستطاع ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ التي ليست بأيم ولا ذات بعل ﴿وَإِن تُصْلِحُواْ﴾ بترك الميل ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ الله فيه ﴿فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ فيغفر لكم ما سلف.