لقد وردت روايات اشتملت على مواضيع تخص مسألة تحقيق العدالة بين الزّوجات، وتبيّن عظمة هذا الحكم والقانون الإِسلامي.
من هذا الروايات ما روي عن علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين(عليه السلام) أنّه كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الاُخرى"(1).
وروي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن أبائه(عليهم السلام) "أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقسم بين نسائه في مرضه، فيطاف به بينهن".(2)
وكان معاذ بن جبل له إمرأتان ماتتا في الطاعون أقرع بينهما أيّهما تدفن قبل الاُخرى؟(3) أي أيّهما يقدم أوّ في الدفن لكي يتجنب ما من شأنه أن يخدش العدل المفروض اتباعه بين الزوجات.
جواب على سؤال ضروري:
كنّا قد نوهّنا - في هامش الآية (رقم 3) من نفس هذه السورة - بأنّ بعضاً ممن ليس لهم علم استنتجوا - من ضم تلك الآية إِلى هذه الآية - أن تعدد الزوجات مشروط بتحقيق العدالة بينهنّ، وأنّه لمّا كان تحقيق العدالة أمراً غير ممكن، فلذلك قالوا بأنّ الإِسلام قد منع تعدد الزوجات.
ويفهم من الروايات الإِسلامية أنّ أوّل من طرح هذا الرأي هو "ابن أبي العوجاء" وكان من أصحاب المذهب المادي، ومن المعاصرين للإِمام الصّادق(عليه السلام)، وجاء طرحه لرأيه هذا في نقاش له مع المفكر الإِسلامي المجاهد "هشام بن الحكم" فلما أعيى "هشاماً" الجواب توجه من بلدته الكوفة إِلى المدينة المنورة "لمعرفة الجواب" فقدم على الإِمام الصّادق(عليه السلام) فتعجب الإِمام من مقدمه قبل حلول موسم الحج أم العمرة، ولكن هشاماً أخبر الإِمام بسؤال ابن أبي العوجاء، فكان جواب الإِمام الصّادق(عليه السلام) على السؤال هو أنّ المقصود بالعدالة الواردة في الآية الثّالثة من سورة النساء، هي العدالة في النفقة (وضرورة رعاية الحقوق الزوجية وأُسلوب التعامل مع الزوجة) أمّا العدالة الواردة في الآية (29)1 من ينفس السورة (والتي اعتبر تحقيقها أمراً مستحي) فالمقصود بها العدالة في الميول القلبية، (وعلى هذا الأساس فإِن تعدد الزوجات ليس ممنوعاً ولا يمستحي إِذا روعيت فيه الشروط الإِسلامية)، فلما رجع هشام بالجواب إِلى ابن ابي العوجاء حلف هذا الاخير أن هذا الجواب ليس من عندك.
ومعلوم أنّ تفسيرنا لكلمتي العدالة - الواردتين في الآية الثّالثة والآية (129) من سورة النساء - بمعنين يختلف أحدهما عن الآخر، إِنّما هو للقرينة الواضحة الواردة مع كل من الآيتين المذكورتين، لأنّ الآية الأخيرة تأمر الإِنسان يأن لا يميل مي شديداً لإِحدى زوجاته ويترك الأُخريات في الحيرة من شأنهنّ، ولهذا فهي تدل على جواز تعدد الزوجات مع اشتراط أن لا يحصل إجحاف بحق إِحداهنّ لحساب الأُخرى، مع الإِذعان باستحالة تحقق المساواة في الحب القلبي لكلا الزوجتين، أمّا في الآية الثّالثة من سورة النساء فقد ورد التصريح في أوّلها بجواز تعدد الزوجات.
أمّا الآية الثانية من الآيتين الأخيرتين، فهي تشير إِلى هذه الحقيقة، وهي أنّه لو استحال مواصلة الحياة الزوجية للطرفين - الزوج والزوجة - واستحال الإِصلاح بينهما، فإِنّهما - والحالة هذه - غير مرغمين على الإِستمرار في مثل هذه الحياة المُرّة الكريهة، بل يستطيعان أن ينفصلا عن بعضهما وعليهما اتخاذ موقف شجاع وحاسم في هذا المجال دون خوف أو رهبة من المستقبل، لأنّهما لو انفصلا في مثل تلك الحالة فإِن الله العليم الحكيم سيغنيهما من فضله ورحمته، فلا يعدمان الأمل في حياة مستقبلية أفضل، فتقول الآية الكريمة في هذا المجال: (يوإِن يتفرقا يغن الله ك من سعته وكان الله واسعاً حكيماً).
﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا﴾ أي الزوجان بالطلاق ﴿يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ﴾ عن صاحبه ﴿مِّن سَعَتِهِ﴾ من فضله بأن يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه ﴿وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا﴾ غنيا مقتدرا ﴿حَكِيمًا﴾ في تدبيره.