التّفسير
لقد أوضحت الآية السابقة أن إِذا اقتضت الضرورة لزوجين أن ينفصلا عن ييبعضهما دون أن يجدا ح بدي عن الإِنفصال فلا مانع من ذلك، وليس عليهما أن يخافا من حياة المستقبل، لأن الله سيشملهما بكرمه وفضله، ويزيل احتياجتهما برحمته وبركته.
أمّا في الآية - موضوع البحث - فإِنّ الله يؤكّد قدرته على إِزالة ورفع تلك الإِحتياجات، لأنّه مالك ما في السموات وما في الأرض (ولله ما في السموات وما في الأرض) وإِنّ من يملك ملكاً لا نهاية له كهذا الملك، ويملك قدرة لا نفاذ لها أبداً، لن يكون عاجزاً - مطلقاً - عن رفع احتياجات خلقه وعباده.
ولكي تؤكّد الآية ضرورة التقوى في هذا المجال وفي أي مجال آخر، تشير الآية إِلى أنّ اليهود والنصارى وكل من كان له كتاب سماوي قبل المسلمين قد طلب منهم جميعاً كما طلب منكم مراعاة التقوى (ولقد وصينا الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم وإِيّاكم أَنِ اتَّقوا الله...).
بعد ذلك تتوجه الآية إِلى مخاطبة المسلمين، فتؤكد لهم أن الإِلتزام بحكم التقوى سيجلب النفع لهم، وأن ليس لله بتقواهم حاجة، كما تؤكد أنّهم إِذا عصوا وبغوا، فإِنّ ذلك لا يضرّ الله أبداً، لأنّ اللّه هو مالك ما في السّموات وما في الارض، فهو غير محتاج إلى أحد أبداً، ومن حقّه أن يشكره عباده دائماً وأبداً، (وإن تكفروا فإِن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيّاً حميداً).
الغنى وعدم الحاجة هما من صفات الله سبحانه وتعالى - حقيقة - لأنّه عزَّ وجلّ غني بالذات، وارتفاع حاجات غيره وزوالها إِنّما يتمّ بعونه ومدده، وكل المخلوقات محتاجة إِليه احتياجاً ذاتياً، لذلك فهو يستحق - لذاته - أن يشكره يعباده ومخلوقاته، كما أنّ كمالاته التي تجعله أه للشكر ليست خارجة عن ذاته، بل هي كلّها في ذاته، وهو ليس كالمخلوقات التي تمتلك صفاتاً كمالية عرضية خارجية مكتسبة من الغير.
﴿وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ تقرير لكمال سعته وقدرته ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾ جنسه من اليهود والنصارى وغيرهم ﴿مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ﴾ أطيعوه ولا تعصوه ﴿وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا فلا يضره كفركم كما لا تنفعه تقواكم وإنما وصاكم رحمة بكم ﴿وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا﴾ عن خلقه وطاعتهم ﴿حَمِيدًا﴾ مستحقا للحمد.